فقال: «إني عبدك وعبده يا مولاتي، وإني أفديكما بروحي.»
فاطمأنت سمية وأشارت إليه برأسها إشارة الوداع، فتحول مسرعا يلتمس باب المدينة ليلحق بسيده.
أما سمية فإنها أقبلت على بيت سكينة حوالي العشاء، فتظاهرت بأنها كانت في بعض جوانب المنزل، وسارت إلى مجلسها، فرحبت بها وسألتها عن سبب تخلفها. فقالت: «كنت مشتغلة في بعض الغرف هنا.» فقالت ليلى: «قد بحثنا عنك فلم نجدك، وأخشى أن يكون أباك استبطأ عودتك.»
قالت: «ربما استبطأني، ولكنني هنا في مأمن من غضبه، ومتى استبطأني بعث في أثري.»
فلما سمعتها سكينة تقول ذلك أمسكت بيدها وقربتها إليها حتى أقعدتها معها على الوسادة وضمتها وقبلتها وقالت لها: «أهلا بك يا سمية، إنك من أعز الأحباء.» وكانت سكينة تستلطف سمية وتحبها.
فقالت سمية: «لا حرمنا الله من محبتك يا بنت سبط الرسول، إن إقامتك بهذه المدينة بركة وسعادة لنا جميعا.»
ثم جاء الخدم يدعون سكينة إلى المائدة، وقد مدت الأسمطة فقمن للعشاء. وأما سمية فعادت إلى هواجسها واستغربت سكوت أبيها عنها إلى ذلك الحين، ثم خطر لها أنه غائب عن البيت ويحسبها فيه. فرأت أن تستأذن في العودة إلى البيت فأذنت لها، وبعثت معها بعض الجواري ليوصلنها إليه.
ولما وصلت سمية إلى باب البيت قرعته بطريقة يعرفها الخدم، فأسرعت جارية إلى فتحه واستقبلت سيدتها وهي تقول: «لقد أبطأت علينا الليلة وشغلت بالنا.»
وكانت هذه الجارية حبشية الأصل اسمها أمة الله، تحب سمية كثيرا، كما أن سمية كانت تستأنس بها وتكرمها، فلما أبطأ قدومها في تلك الليلة شغل بال الجارية ولم تستطع رقادا، حتى طرقت سمية الباب ففتحت لها، وترامت عليها وقبلتها ورحبت بها، فقالت لها سمية: «ألم يأت أبي؟»
قالت: «جاء نحو الغروب ودخل الحجرة المعلومة وأقفل بابها، وما زال هناك ولا يدري أحد ماذا يعمل؛ لأنه أنار السراج وحمله بيده إلى الغرفة على عادته.»
نامعلوم صفحہ