فقطعت كلامها وقالت: «تظنينه يستبقيني لمأربه الدنيء! ولكن ما أنا مبقية على نفسي. أين السم الذي حفظته لي؟ لقد آن وقته!» وكانت أمة الله قد أخذته لتحفظه عندها.
قالت: «لا أظن وقته أزف يا مولاتي، وحسن لا يزال على قيد الحياة، ومن يدري ما يأتي به الغد؟»
قالت: «أتتوقعين لحسن البقاء وقد وقع في قبضة هذا الظالم الذي لا يرى فيه إلا مناظره على عروسه؟ آه يا أمة الله! يا ليتني ظللت على يأسي الماضي ولم أعلم ببقاء حسن حيا! إن هذا لن يعفيه من القتل. فكيف أبغي الحياة في بيت رجل قتل حبيبي؟»
فقطعت أمة الله كلامها وقالت: «إنه لم يقتله بعد يا مولاتي. وعسى الله أن ينقذه من بين يديه فإن الله قادر على كل شيء.»
قالت: «نعم إن الله قادر على كل شيء، ولكن أليس حسن في حكم المقتول الآن؟» قالت ذلك وخنقتها العبرات.
فاحتارت أمة الله، ولم تدر بم تعزيها عن توقع قتل حبيبها، ولم تستطع لومها على تفكيرها في الانتحار حتى لا تبقى في بيت قاتل حبيبها، فظلت ساكتة، واستأنفت سمية الكلام فقالت : «أين السم؟ أعطيني إياه.»
فتغير وجه أمة الله وتناثرت الدموع من عينيها وقالت: «دعي السم الآن فإن وقته لم يأت بعد.»
قالت: «أعطيني إياه، وأعاهدك على أني لا أتناوله إلا بعد أن أقطع الأمل من بقاء حسن.» ثم أطلقت لنفسها عنان البكاء، فبكت أمة الله معها، ولكنها أشفقت عليها من الاسترسال في الحزن على هذه الصورة فكظمت ما في نفسها وقالت: «أتعدينني أنك لا تتناولين السم إلا بعد وقوع الخطر حقيقة؟» فلما عاهدتها على ذلك خرجت ثم عادت وناولتها ورقة فيها المسحوق السام. فتناولته منها وقبلته وهي تقول: «أنت هو منقذي من أحزاني ومتاعبي. أنت وحدك معيني على قهر ذلك العاتي وإنقاذي منه.»
وكان الحجاج قد أمر بإخراج النساء من الخباء إلا سمية وخادمتها وأمر الحراس أن يحدقوا به وهم في غفلة عن سبب ذلك، فكانت سمية تصيخ بسمعها من جدران الخباء لما يتحدث الحراس به. وسمعتهم يتحدثون بما أظهره حسن من الشهامة وعزة النفس وما ظهر في كلام عرفجة من التلاعب والغدر. وكانت كلما سمعت ذلك منهم رقص قلبها فرحا، ولكنها لا تلبث أن تعود إلى هواجسها.
أما عبد الله فلما جاء إلى سمية ليخاطبها في أمر الفرار رأى الحرس محدقا بخبائها فعاد ولم يرها، وأخبر حسنا بما كان فازداد الأمر تعقيدا عنده ففزع بآماله إلى الصبر والتسليم للأقدار. •••
نامعلوم صفحہ