فقطعت ليلى كلامها وقالت والجد في غنة صوتها: «إذا بقيت حية فإنك لا تكونين وحدك؛ لأن حسنا حي!»
فلما سمعت سمية ذلك بغتت وعادت إلى التفرس في وجه ليلى، فرأت الجد باديا في عينيها فوثبت من مجلسها وقالت: «بالله أعيدي ذكره وعلليني ببقائه. قولي إنه حي فإن ذكره يحييني!» قالت ذلك واختنق صوتها فبكت ثم قالت: «ولكن ما الفائدة من التعلل بالأحلام؟!»
فقالت ليلى: «لسنا في حلم، وإنما نحن في يقظة، وقد آن لك أن تري حسنا إنه في انتظارك على مقربة من هذا الخباء وسأدعوه إليك لتلتقيا.» ثم خفضت صوتها وقالت: «وتتواعدا على وقت تفران فيه من هذا المعسكر، ولا خوف من مجيء الحجاج إلى خيام النساء ما دام قد أقسم ألا يقربهن.» •••
وكانت سمية تسمع قول ليلى وهي لا تكاد تصدقه، ولكنها لم تر بدا من تصديقه ولا سيما بعد أن سمعت أن حسنا بقرب خبائها، فهرولت إلى شق في الخباء ونظرت إلى الخارج وكان الليل قد سدل نقابه فلم تر أحدا، فنادت أمة الله فأسرعت إليها وقد أنارت السراج ودخلت حتى وضعته على المسرجة، فقالت لها سمية: «هل رأيت أحدا جالسا حول هذا الخباء؟»
قالت: «كلا يا مولاتي، ولكنني رأيت رجلين مرا معا وخرجا من المعسكر.»
فقالت ليلى: «هل رأيت أحدهما يحمل جرابا ؟»
قالت: «أظنني رأيت مع أحدهما شيئا كالجراب .»
فأسرعت ليلى وسمية في أثرها وأطلتا من باب الخباء فلم تريا أحدا، فتحولت ليلى نحو المكان الذي أجلست فيه حسنا فلم تر له أثرا، فأسقط في يدها، وفكرت في سبب ذهابه ومن يكون الرجل الذي ذهب به فلم تهتد إلى حل.
أما سمية فخامرها شك في قول ليلى، ولكنها تحققت صدقها لما بدا في عينيها من دلائل الاهتمام وما غشي جبينها من أمارات الانقباض، فقالت لها: «أين عسى أن يكون حسن الآن؟»
فقالت ليلى: «إن ذهابه لا بد أن يكون لأمر ذي بال، فقد جاء معي وهو لا يكاد يصدق أنه يحظى برؤيتك، وما أظنه تحول من هذا المكان بإرادته. ولعله يعود الليلة فلنترقب رجوعه. ولكن من يكون رفيقه الآخر وهو غريب في المعسكر وقد جاء إليه متنكرا؟»
نامعلوم صفحہ