حافظ نجیب : الادیب المحتال
حافظ نجيب : الأديب المحتال
اصناف
نلاحظ أن قوله: «من منشئي النهضة الوطنية»، يقصد به رجال الحزب الوطني، وتحديدا يقصد الزعيمين محمد فريد ومصطفى كامل، رغم عدم تصريحه بالأسماء، ولكن فحوى كلامه دل على ذلك، عندما قال: «وقال أحدهم: «يجوز أن يكون الدير وسيلة لذهابك إلى الحبشة في منصب مطران الحبشة، وذلك البلد لا يزال مستقلا، ومنصب المطران هناك منصب عظيم جدا، واحترام الأحباش للجالس على كرسي المطرانية أعظم من إجلالهم للجالس على العرش.» وقال الثاني وهو على فراش مرضه الأخير: «وفي مقدور المطران المثقف ثقافة عالية أن ينشئ هناك جيشا يعلم ضباطه في النمسا أو ألمانيا، فيصير في مقدوره اغتصاب السودان وإنقاذ مصر من المحتلين.» وقال الأول: «هذا سر خطير ... فاحتفظ به لنفسك، ولا تيسر لأي صديق معرفته».»
8
ومن الواضح أن المتحدث الأول في الحوار السابق هو الزعيم محمد فريد، والمتحدث الآخر هو الزعيم مصطفى كامل، الذي كان على فراش مرضه الأخير في هذا الوقت، ولكن الغريب في الأمر، أن هذه الإشارة التي تدل على علاقة حافظ نجيب بهذين الزعيمين وعلاقته بالحزب الوطني، لم يكن لها أي تقديم أو تمهيد في الاعترافات قبل ذلك ، حيث إن هذه الإشارة جاءت عام 1908، والاعترافات تنتهي في عام 1909! وبالرغم من ذلك فنحن لا نملك أي دليل على هذه العلاقة، سوى ما جاء عنها في هذه الاعترافات.
ونعلم من الاعترافات أيضا، أن حافظ نجيب بعد هذه المقابلة، أصبح الراهب غبريال إبراهيم في دير بشوي، ثم الراهب غالي جرجس أو فيلوثاؤس في دير المحرق بأسيوط. وعندما مات مصطفى كامل في 10 / 2 / 1908، رثاه الراهب فيلوثاؤس أو حافظ نجيب بقصيدتين، تم نشرهما في جريدة الوطن، فنال الراهب شهرة واسعة كشاعر، فطلب مقابلته غبطة البطريرك في القاهرة، ولكن الراهب أو حافظ نجيب خشي أن ينكشف أمره، فلم يذهب إلى مقابلته، ولكنه ذهب إلى مكان آخر، قال عنه: «سافرت في صباح النهار الثاني إلى القاهرة، وإلى بيت المرحوم محمد بك فريد، بدلا من مقابلة البطريرك. واستاء المرحوم من قصدي إليه، وأنبني في غضب شديد، بسبب نشر المرثيتين في الصحف، وبسبب ما أحدثا من الضجة حول الراهب الشاعر، وقال: «لقد ذهبت إلى الدير لتختفي فيه وتعتزل العالم وقتا طويلا، لينساك الناس ولتصل من الدير إلى الهدف الذي تهدف إليه، فمن الحماقة التي لا تغتفر ما فعلت؛ لأنه أحدث ضجة تمنعك من البقاء في الدير».»
9
وهنا نجد الأمر يتطور بالنسبة إلى وطنية حافظ نجيب، حيث يشير الكلام السابق، أن الزعيم محمد فريد كان على علم بأن حافظ نجيب دخل الدير من أجل هدف معين، وهذا الهدف خطير وسري جدا! ولكن بكل أسف لم نعلم ما هو هذا الهدف، ولم يوضحه حافظ نجيب في اعترافاته، بل زاده غموضا مصحوبا بالتشويق، قائلا: «كنت أتصل بالجهة السياسية التي نصحت لي باللجوء إلى الدير بالمراسلة، أرسل كتبي بعنوان رجل مسيحي كاتب بمكتب إسماعيل الشيمي المحامي، وكانت الإجابات ترسل إلى وعليها توقيع عمتي المسيحية.»
10
وهذا الأمر يشير إلى أن حافظ نجيب كان يقوم بمهمة سياسية معينة، لصالح الحزب الوطني، بدليل هذه الرسائل المتبادلة، تلك الرسائل التي كانت تحمل أسرارا خطيرة وصفها حافظ في اعترافاته بأنها: «أسرار غاية في الخطورة؛ لأنها في الأيام الأخيرة كانت تلح علي بترك الدير والعودة إلى القاهرة لتنفيذ أغراض سياسية لتلك الجهة.»
11
وفي إشارة نادرة، وجدنا حافظ نجيب يسرد واقعة صريحة، تعامل فيها مع الزعيم محمد فريد، قائلا: «كانت الصحف القبطية تهاجم في عنف الأديرة القبطية بسبب خروجي من الدير، فصار اسم الراهب حديث الجميع. واستغل محمد بك فريد هذه الضجة فدفع لي مالا لأنفق منه لتحضير حفلة عشاء أدعو إليها جماعة من عظماء الطائفة القبطية ورئيس الحزب الوطني والشيخ عبد العزيز [جاويش]، فتمت الحفلة في فندق ناسيونال بتاريخ 2 ديسمبر 1908، ونجح محمد فريد في خطته، وبدأت علاقات ودية جديدة بين بعض إخواننا الأقباط المثقفين والحزب الوطني.»
نامعلوم صفحہ