حافظ نجیب : الادیب المحتال
حافظ نجيب : الأديب المحتال
اصناف
وهذا الإهداء يعطي لنا معلومات مهمة عن حياة حافظ نجيب الشخصية، حيث إنه يشير إلى أن وسيلة محمد، لها ابنة من رجل آخر غير حافظ نجيب! وأن هذا الإهداء كتب لها! ولم يكن إهداء لابنتها من حافظ نجيب! والدليل على ذلك أن حافظ نجيب ذكر في إهداء كتاب «الغرور» أن ميلاد ابنته الأولى كان في 14 / 12 / 1912. علما بأن حافظ نجيب اعترف في حديثه بجريدة المحروسة في 3 / 12 / 1912، بأنه أصدر كتابين باسم وسيلة محمد، منهما كتاب «غاية الإنسان»! فكيف تكتب وسيلة محمد إهداء لابنتها، قبل أن تولد أول ابنة لحافظ نجيب منها بعشرة أيام؟!
غلاف كتاب «الناشئة» عام 1915.
وبعد ثلاثة أعوام، أصدر حافظ نجيب ترجمة كتابه الثالث «الناشئة»، من تأليف شارل وانير - صاحب كتاب «روح الاعتدال» - في أوائل عام 1915، عن مطبعة المعارف لصاحبها نجيب متري، ناشر جميع كتب حافظ نجيب الاجتماعية. والكتاب الذي نحن بصدده، لا يختلف في موضوعه أو مباحثه، عن بقية الكتب الأخرى، من حيث اهتمامه بالاجتماع والفلسفة. وقد قال حافظ نجيب في كلمة المترجم: «الناشئ لأول عهده بالحياة كالغريب في المدينة الواسعة، يتهيب أهلها، ويجهل دروبها، يبحث ولا يجد، وينظر ولا يرى، ولكن له من دهش المفاجأة وعدم الاعتياد عذرا مقبولا. والمدينة لا تماثل الحياة إلا مماثلة الذرة للكون؛ لأنها ثابتة منظورة ومحصورة، أما الحياة فصروفها جمة ، وأحوالها متبدلة، ومناهجها تؤدي إلى الفضل والهناء، كما تدهور إلى السفه والشقاء، والعقول عاجزة عن حصر ما فيها عجزها عن إدراك ما وراء المنظور. فما العبرة إذن بالذي في الحياة من مختلف الأحوال الظاهرة والخفية، وإنما بالتمييز بين منافع المحسوس ومضاره، وبين ما يؤدي إلى الغاية منها وما يدفع إلى قرار الهاوية. والعجز عن حصر أحوال الحياة لا يمنع عرفان المعلوم منها والملحوظ؛ لأن النور الضئيل خير من الظلام الحالك، ولأن المعرفة القليلة أفضل من الجهل التام.»
8
ومن الجدير بالذكر، أن حافظ نجيب كان سيهدي هذا الكتاب إلى ابنته، ولكنه أهداه إلى محاميه، قائلا: إلى محمود بك أبو النصر المحامي ... سيدي الأستاذ الفاضل ... البذور إذا غرست في التربة الجيدة تنتج وتثمر، وكذلك المعروف إذا أسدي إلى غير ذي نفس خبيثة، يؤثر فيه فيحتفظ بذكره. وليس غريبا أن تمن وأنت رجل الفضل، وإنما أن يذكر مثلي تلك المنة، في زمان عرف كثير من أهله بالجحود ونكران الجميل. لقد تقدمت للدفاع عني حين فقدت الأنصار، فقلت في نفسي: رجل من المحاماة يؤدي واجبا إنسانيا، ولكن حين رأيتك تفحص نفسي، وتحلل معدنها بدراية ومهارة أمام القضاء، عرفتك عالما من علماء الطبائع فأكبرتك. وما لمس من حرارة نفسك ونهضتها لإنقاذ دخيل على الأدب، إكراما للحرفة التي احترف، وللسبيل التي طرق، ذلك أبقاني أحس بتلك الحرارة إلى هذه اللحظة، وشجعني على الالتصاق بالأدب، وإن كنت لا أزال دون رجاله في كثرة البضاعة وجودتها، وفي القيمة الشخصية. وإذا كان حب طفلتي هو الذي نفث في هذا الروح ورغبني في الاعتصام، فإنك بعملك الواجب، وبما أظهرت من العواطف الإنسانية، تحيي تلك الروح وتقويها، وتملأ نفسي الخاملة نشاطا وفتوة، وتسوقني إلى حب الحياة والاجتماع، وإلى خدمة الإنسانية من طريق الأدب. وإذا أنا حرمت ابنتي هذه الهدية واختصصتك بها، فأنا لا أجني عليها ولا أتهم بالتبديد؛ لأنها هي أيضا مدينة لك ضمنا بالمنة، أسيرة ذلك الفضل القديم. وإنها لتبتهج بعرفان الوفاء من خصال أبيها أكثر من ابتهاجها بالإهداء إليها ، بل إن هذا لدرسا عمليا يهذب نفسها ويرقق عواطفها، ويحضها على التكمل بالاقتداء وعلى التطبع بالتحبيذ والنحو. فكن يا سيدي الأستاذ طيب النفس عند القبول، مطمئنا لهذه التقدمة، فالباعث عليها قدر حقك من الفضل، والواجب علينا من الإخلاص والوفاء. نفع الله بك الأدب والفضل، وجعلك مثالا حيا للمروءة وعلو الهمة. أنت رجل والرجال قليلون.»
9
وهذا الإهداء له علاقة بحياة حافظ نجيب الشخصية، حيث إنه في عام 1909، كان مقيما في فندق ناسيونال باسم غالي جرجس، ولكن جندي إبراهيم صاحب جريدة الوطن تعرف على حافظ، فأبلغ عنه البوليس، الذي حاصره في غرف الفندق، ولكن حافظ نجيب استطاع أن يهرب من الفندق، بعد أن هدد قوة البوليس بأسلحة متنوعة، منها قنبلة ومسدس بالإضافة إلى تلغيم إحدى الغرف بالمفرقعات. وفي عام 1913، عرضت هذه القضية على محكمة الجنايات، برئاسة محمد توفيق رفعت وبحضور حافظ نجيب نفسه، وكان ممثل النيابة محمد زكي الإبراشي، وقد تطوع المحامي محمود أبو النصر للدفاع عن حافظ نجيب، حيث حصل حافظ على البراءة!
10
ولعل القارئ لا يرى غرابة، في أن يهدي حافظ نجيب أحد كتبه إلى هذا المحامي، الذي حصل له على البراءة! ولكن الغرابة في أن البراءة التي حصل عليها حافظ في هذه القضية، لم تكن بسبب دفاع المحامي، حيث إن المحكمة لم تر أي إقناع في دفاعه! والسبب الحقيقي في البراءة، كان في دفاع حافظ نجيب عن نفسه! وهذا بالطبع بناء على ما جاء في «اعترافات حافظ نجيب»! ولعل هذا أيضا سبب جديد، يضاف إلى أسباب شكوكنا في هذه الاعترافات! لأن من غير المعقول، أن تترك هيئة المحكمة الحرية المطلقة، لمتهم في إحدى القضايا الجنائية، كي يدافع عن نفسه بصورة كانت أبلغ من مرافعة محاميه، فيحصل على البراءة! وإذا كنا سنقبل هذا الخيال الروائي الغريب من أي متهم، فمن المستحيل أن نقبله من حافظ نجيب، صاحب الخيال والأكاذيب!
ومما قاله حافظ نجيب في اعترافاته عن هذا الأمر: «وكان المحامي الذي تطوع للدفاع عني حينذاك في هذه القضية وغيرها المرحوم محمود بك أبو النصر، فبنى دفاعه على تصرفي أنه كان للإيهام بإطلاق النار مع عدم وجود النية على التنفيذ، في حالة عصيان أمري. ورأيت المحكمة غير مقتنعة بهذا الدفاع؛ لأن القانون يعاقب على التهديد نفسه، لا على النية المستوردة [أظنها المستورة] المجهولة، من الذي وقع عليه التهديد. فالتمست من المحكمة الإذن لي بالدفاع عن نفسي، فأذنت لي بشرط عدم تكرار ما ذكر في دفاع المحامي.»
نامعلوم صفحہ