هناك طريقة مشهورة لجعل السلحفاة تتحرك باستمرار؛ وذلك بأن نربط على ظهرها عصا طويلة نضع في نهايتها طعاما تراه السلحفاة فتتحرك للوصول إليه، وبالطبع لا تصله أبدا؛ ولهذا تستمر تتحرك.
نحن مثل هذه السلحفاة، لا بد لكي نتحرك أن يكون ثمة أمل في متناول أبصارنا نحاول الوصول إليه، ولكننا أحيانا لا نرى الأمل، تخفيه عنا أحداث الحياة فنتوقف، لا يائسين، ولكن لكي نبحث عن الأمل، ولا بد للبحث عن الأمل أن يكون لدينا «أمل» قوي في العثور عليه، فترات البحث عن الأمل هذه يسميها الناس اليأس، بل ويغالون ويضعون اليأس كشيء رأسه برأس الأمل سواء بسواء، مع أن الحياة كما نرى أمل متصل، وحركتنا مستمرة، إما لتحقيق الأمل أو العثور عليه، بل فترات البحث عن الأمل هذه التي يسمونها اليأس فترات يكون فيها الإنسان أشد تفاؤلا وأكثر حركة من المؤمل.
والباحث عن الأمل أو اليأس كما يقولون أشد حرصا على الأمل ممن عنده أمل، والذي لا يملك القرش أكثر حرصا عليه ممن يملكه، بل إن المؤمل قد يضيع منه الأمل، أما الباحث عن الأمل فإنه لا يفقد الأمل أبدا في العثور على الأمل، اليأس أشد تفاؤلا من المؤمل، ولو كان أقل تفاؤلا لمات في الحال أو لانتحر.
وطوال هذه السنين التي كنت آكل فيها وأتخن - وقد تركت قضية السلطان - كنت في الحقية لم أيأس من العثور لها على حل، كل ما حدث أنني كنت أتحرك يحدوني أمل ما، ولكن الحكيم الطيب حين أراني أصابعه وسألني ذلك السؤال ضاع من أمام عيني الأمل، وضياع الأمل ليس بالأمر السهل، لا بد له دائما عن أسباب في غاية المنطق والمعقولية.
وحاول أن تناقش «يائسا» ما، فسوف تجد ليأسه أسبابا في غاية القوة، ولكنك سوف تجده أيضا يبحث عن الأمل، وأن يعثر الإنسان على الأمل مرة أخرى مسألة أحيانا لا تحتاج إلى منطق ومعقولية، ولنأخذ حالتي مثلا.
لم يكن كلام الرجل المجذوب معقولا ولا منطقيا، وليس له وجاهة كلام الطبيب، ولكن كم هي غريبة أمور الدنيا! فبلا مقدمات أو علامات وجدت أشياء مكتومة في صدري ومختزنة قد تراخت فجأة وانعكست، وحفلت نفسي باتساع وتفتح لا حد لهما، وأحسست أن الأمر لا يحتمل أكثر من أن أمد يدي وآتي بحل لمشكلة السلطان.
كان شيء ما قد حدث بعدما استمعت طويلا إلى تخريفات المجذوب، شيء وكأنني كنت أشك في وجود الله مثلا، ويحيرني أمره ولا أستطيع أن أجزم بوجوده أو عدمه، وفجأة عثرت على تلسكوب غريب ممكن أن أنظر منه فأرى السماء، وأتحقق من وجود الله!
ولم آخذ تخريفات المجذوب على أنها تخريفات، أخدتها من زاوية أخرى، فلا بد أن السلطان حامد هذا كان من نوع ما عاش ومات، كما يعيش الناس ويموتون، ولكن أية حياة هذه؟! وأي رجل هذا؟! وترى ماذا فعله حتى يحتل من نفوس الناس تلك المكانة الرهيبة؟! وحتى يجن أناس ويجذبوا حبا فيه؟! وتنسج حوله الخرافات والأساطير، وتقام له مئات الأضرحة في مئات البلاد وتضيء كل ليلة بعشرات الشموع، مئات الليالي، وربما لمئات السنين؟!
وأمر آخر، فأن تعمل طيبا مسألة قد تخصك أنت وحدك، ولكن أن يقدر الناس أعمالك؛ وبالتالي يقدروك مسألة أخرى، فالدنيا حافلة بالطيبين الذين عاشوا للناس وماتوا من أجلهم فلماذا كلهم لا يقدرون؟! لماذا يقدر البعض دون البعض، وعلى أي أساس إذن يختار ملايين الناس من أعمالك ما يستحق التقدير وما لا يستحق؟ ولماذا يصبح بعض الناس من معبودي الجماهير - كما يقولون - بينما لا يكونون هم أشرف الناس، ولا أطيب الناس، ولا أكثر حبا للناس وتضحية من أجلهم؟!
ولم أكن أدري وأنا أقلب هذه الأسئلة كلها في رأسي أنني ممكن أن أجد الإجابة عليها عند روجيه كلمان!
نامعلوم صفحہ