فرمقها بدهشة وامتعاض وتمتم: لم يبق إلا هذا.
أكثر من سبب كره إليه فكرة الزواج؛ في مقدمتها انغماسه في وحدته المقدسة وعجزه عن الخروج منها، وخوفه أن ترفضه الفتاة اللائقة بمركزه وأسرته للمآخذ الكثيرة التي لا تغيب عن وجدانه. ولم تكف فريدة هانم عن القلق عليه ، خاصة بعد وفاة عبد العظيم باشا وشعورها بدنو الأجل، وبأنها ستتركه في فيلا كبيرة خالية. يضاف إلى ذلك ما صبته عليه ثورة يوليو من أحزان جديدة لم تخطر له على بال من قبل. تساءل في جزع: أيبلغ بنا التدهور أن تحكمنا مجموعة من العساكر الأميين؟!
وراقب ما حاق برتب أسرته وقيمها القانونية والطبية بفزع، وتساءل: هل أبكي اليوم رعاع الوفد؟!
وقالت له فريدة: غدا ألحق بأبيك، يلزمك زوجة وأبناء.
فقال لها بخشونة: العقم هو العزاء المتبقي لنا!
وأصر على عناده الحقود، ولم يتزعزع تصميمه بعد وفاة أمه، وأحيل على المعاش في أوائل السبعينيات فواصل حياته في وحدته كالشبح، وكأنما لم يحظ من دنياه إلا بصحة متينة صامدة قانعا من مسرات الدنيا بالطعام والكتب ثم بالتلفزيون والخادمة الجديدة.
حرف الفاء
فاروق حسين قابيل
الخامس في ذرية سميرة وحسين قابيل، ولد ونشأ في شارع ابن خلدون، واستقبل الدنيا بجسم رشيق قوي ووجه وسيم مثل إخوته وأخواته، وذكاء وقاد يبشر بكل خير، ولكنه نما في مناخ الانضباط الذي ساد الأسرة بعد وفاة حسين قابيل. ومنذ صغره حلم بأن يكون طبيبا وبعزيمة قوية حقق حلمه عابرا عقبات التنسيق. وقد توزع قلبه الحماس لثورة يوليو بحكم مولده وميلا مع أخيه حكيم، والنفور منها أحيانا عطفا على الإخوان وحبا في أخيه سليم الذي قذف به في السجن. ووجد الخلاص من التناقضات في الاهتمام بمهنته، فحصل على الدكتوراه، وفتح عيادة خاصة إلى جانب عمله في المستشفى، وجمع الحب بينه وبين زميلة هي الدكتورة عقيلة ثابت، فتزوجا وأقاما في شقة حديثة بمصر الجديدة. وشد ما حزن فاروق على مصير شقيقه حكيم، وغربة شقيقه سليم، فقد عرف أبناء سميرة بقوة تماسكهم، كما عرفوا أيضا - كأمهم - بالصمود حيال المصائب. ولكنه تجنب الجهر بآرائه السياسية خارج محيط أسرته اتعاظا بما أصاب أخويه حكيم وسليم، متفرغا لمهنته. وفي هذا المجال أحرز منزلة فريدة كجراح، كما وليت زوجته مناصب رفيعة كمولدة، وقد أنجبت له بنتين توجهتا بكفاءة نحو الطب أيضا. وكان فاروق من القلة التي آمنت بسياسة السادات فيما عدا الانفتاح غير المنضبط الذي فتح أبوابه باندفاع جر على البلد ويلات اقتصادية لا يستهان بها. ولم يكن ضمن القطاع الذي سر لمصرعه، وقال مرة لخاله عامر: لقد ولي السادات نيابة عن عبد الناصر ثم قتل كذلك نيابة عنه!
ومما يذكر له كطبيب معدود ومقصود أنه لم يتهاون في جانب المبادئ، فلم تجاوز تسعيرة أتعابه حدود المعقول أبدا.
نامعلوم صفحہ