فتمضي المرأة وهي تقول: الجميل ابن الجميلة.
وكان محمد أفندي إبراهيم يقول لراضية أم قاسم: لا تملئي رأس أحمد بحكايات العفاريت يا نينة.
فترمقه باحتقار وتقول: يا لك من مدرس جاهل!
فيضحك الرجل كاشفا عن ثنيتيه المتراكبتين ثم يواصل تدخين غليونه. ذلك أن ختام اليوم يتم عادة بين يدي راضية فتنداح النشوة في قلبي الطفلين على سماع الحكايات قبيل النوم، وتنهمر على خيالهما كرامات الأولياء وعبث العفاريت، وينغمس الواقع في دنيا الأحلام والخوارق والآيات الربانية. وتمضي بهما في أوقات الفراغ من بيت إلى بيت، ومن ضريح ولي إلى جامع حبيب من آل البيت. وظلت الدنيا لهوا ولعبا حتى حمل قاسم ذات يوم إلى الكتاب ليبدأ حياة جديدة وليحرم من رفقة أحمد ثلثي النهار. والكتاب يقع في منحنى من منحنيات عمارة الكبابجي على بعد خطوات من البيت، ولكنه محاط بسياج من التقاليد الصارمة تجعل منه سجنا تتلقى فيه المبادئ الإلهية تحت تهديد المقرعة ... ولم تجد التوسلات ولا الدموع. ويغادره عصرا فيلقى أحمد وأم كامل في انتظاره عند الباب. لم تعد الدنيا كما كانت. تسللت إليها هموم لا مفر منها. وبغريزة يقظة شعر بخطر آخر يتهدده من ناحية محمد إبراهيم والد أحمد، فهو لا يرتاح لإقامة أحمد بعيدا عنه. وتتجلى في عينيه الجاحظتين نظرة باردة نحوه، ويقول لأمه: أنا لا أحب هذا الرجل.
فيكفهر وجهها الأسمر الطويل وتقول له: يا لك من جاحد! ألم يهد إليك ابنه؟ - ولكنه يريده.
فتضحك قائلة: أترغب في أن ينزل لك عن ملكيته؟! •••
ولكنه ذات يوم لم يجد أحمد في انتظاره لدى خروجه من الكتاب، ووجد أمه جادة أكثر من عادتها، وقالت له: حبيبك مريض.
ورآه مستغرقا في نوم ثقيل في فراشه، وراحت أمه تعمل له مكمدات خل وهي تتمتم: يا ولدي ... يخرج منك صهد كالنار.
ولا تكف عن تلاوة الآيات. ولما رجع عمرو أفندي إلى البيت مساء رأى أن يرسل أم كامل لإخطار مطرية وزوجها. ولما لم تنخفض الحرارة بالبخور والتعاويذ، جاء عمرو أفندي بطبيب من الجيران، ولكنه أعلن أنه طبيب عيون ونصح باستدعاء الدكتور عبد اللطيف المقيم في باب الشعرية. واعترض عمرو أفندي قائلا: ولكنه متزوج من العالمة بمبة كشر!
فقال الطبيب ضاحكا: بمبة كشر لم تنسه الطب يا عمرو أفندي.
نامعلوم صفحہ