شكيرة محمود عطا المراكيبي
فتحت عينيها على سراي ميدان خيرت برياشها وتحفها وحديقتها الغناء، من سوء حظها أنها اقتبست أهم معالمها من أبيها محمود بك متجاهلة أصل أمها نازلي هانم المترع بالجمال والعذوبة، ربعة قوية الجسم، كبيرة الرأس، خشنة القسمات، عنيدة متطرفة في أحكامها متعصبة لرأيها، لا تتزحزح عن عاطفة، مع تدين قوي وأخلاق متينة وعادات مهذبة رفيعة. لولا ذلك ما خطب أبوها حامد عمرو لها بنفسه وقاية لها من الانتهازيين. ورغم الفارق الشاسع بين الأسرتين فلم يتحمس للزواج أحد من آل عمرو سوى عمرو نفسه. وأطلقوا على شكيرة منذ إعلان الخطبة «شكير بك عطا.» وبكل أمانة أحبت شكيرة زوجها الشاب من أول يوم، وكانت على أتم استعداد لفتح قلبها لآله جميعا. أجل لم يغب عنها ما يحمل في طياته من ذوق وتقاليد ومعاملة بعيدة بشعبيتها كل البعد عن تربيتها الرفيعة المهذبة، ولكنها قالت لنفسها: كل شيء قابل للتغيير!
ولكنها لاحظت أيضا أن عاطفته كانت نهما عابرا، وأن طلائع الفتور لاحت في شهر العسل نفسه، ودهمها ذلك كصاعقة فآلمها أشد الألم وطعن برأسه السام المسنون حبها وكبرياءها، ولم تكن تخفي عن أمها شيئا؛ فقالت نازلي هانم: هذه أحوال تمر، كوني لبقة كيسة.
وحدثتها حديث الهوانم المجربات طاوية قلقها في قلبها. وقالت لها أيضا: إنه من بيئة شعبية، وبحكم عمله كضابط شرطة لا يتعامل إلا مع الساقطين!
وكان حامد يعمل حسابا لجبروت حميه ولإقامته بين أفراد قبيلته فلم يرتفع له صوت، ولكنه كان يدس بداوته دسا رفيقا ومؤذيا في آن. وغضبت مرة فقالت له: كثيرون لا يعرفون النعمة إلا بعد زوالها!
فقهقه ساخرا وقال: إن زواجك مني هو النعمة حقا لك أنت! - إذن، لماذا رضيت؟! - الزواج قسمة ونصيب. - وطمع وجشع أيضا.
هكذا بدأ عراك لم ينقطع على مدى السنين حتى حسمه الطلاق فيما بعد. وارتفع درجة في حرارته فصاحت به مرة: إنك تنضح بالقذارة.
فسألها متهكما: ألم يحدثوك عن جدك بياع المراكيب؟!
ولكن شكيرة رغم غضبها وصلابتها لم تخل من حكمة، فظلت أسرار حياتها الزوجية التعسة خافية في أضيق الحدود، حتى نازلي هانم لم تعلم بكل تفاصيلها ... بل يمكن القول بأنها لم تنضب من حب له رغم كل شيء حتى وفاة أبيها، وأنجبت له وحيدة وصالح، وأملت كثيرا أن يستقيم حاله مع الزمن ولكن دون جدوى. ولم تكن علاقتها مع أسرته بأحسن من علاقتها معه؛ كانت تعتبر راضية - قبل زواجها - امرأة غريبة الأطوار، ثم حكمت بعد ذلك بجنونها، وتبادلا كراهية ماحقة رغم الصداقة الجميلة بين راضية ونازلي. وقالت نازلي: حذار أن تغضبي حماتك، إنها مؤاخية للجان!
فقالت شكيرة: اعتمادي على الله وحده.
نامعلوم صفحہ