وعلمت راضية بالمشكلة فراحت تقول لسلفتها: وأين يجد جمالا كجمالك؟!
ولكنها سرت في باطنها وقالت لنفسها إن المرأة لا تحيا بجمالها وحده!
ولم تنج من عواقب الحزن فأصابها مرض السكر والضغط وتناوبتها الوعكات وزحف الشحوب على رونقها المتألق ليطفئه رويدا رويدا قبل الأوان. وقرأت دواما أحلام الجشع في نظرات سرور، وعاشت في جو ملبد بسحب المخاوف. وتناوبتها هواجس محضة بأنه لولا الفقر لتزوج مرة أخرى، وهل يبعد أن يظفر بامرأة غنية تحبه كما جرى حظ عطا المراكيبي قديما؟! وطالما غبطت راضية على قناعة زوجها وعلو مكانتها في الأسرة نتيجة لمصاهرتها لآل المراكيبي وآل داود. وتقول لزوجها: انظر كيف يحبون أخاك ويغدقون عليه الهدايا، أما أنت فقد أثرت نفورهم بحدة لسانك!
وجاءت الحرب العظمى الثانية بإظلامها وغاراتها، ولكن أفظع غارة انقضت من القدر على سرور نفسه فأتلفت صحته وسلمته ليد الموت قبل الأوان وهو في عامه الأخير من الخدمة. ضربة قاضية نزلت بها بغياب الرجل الذي لم يفتر حبها له ساعة واحدة من عمرها رغم فتور رغبته وركود حبه. وعقب عام واحد من وفاته أصابها نزيف في المخ فراحت في غيبوبة امتدت ثلاثة أيام، ثم أسلمت الروح في صباح اليوم الرابع بين يدي راضية.
زينة سرور عزيز
هي صغرى بنات سرور أفندي والرابعة في ذريته، اشتهرت بعينين خضراوين واسعتين وجسم سريع النضج يوحي بأنه جسم امرأة لا بنت عذراء. وحجزت في البيت في سن مبكرة بعد فك الخط في الكتاب، ومضت نحو المراهقة في محطة انتظار ابن الحلال. وذهبت جميلة إلى بيت الزوجية، وبقيت هي مع بهيجة في محطة الانتظار. تفتح شبابها على أسرتها حين دهمها الغروب والتوتر في جو الإظلام والغارات، ولحظت من وقت مبكر مناورات القلوب التي تدور بين بهيجة وقاسم، وفطنت بغريزة متوقدة إلى أن سنهما المتماثل لا يرشحهما للزواج، وأنه أولى بالفتى أن ينتبه إليها هي. ودأبت ست زينب على اصطحابها - هي وبهيجة - في زياراتها لبيوت الأسرة. شد ما تلتهمها الأعين ولكن يبدو أن أحدا لا يراهما أهلا للزواج. إنها أسرة تستأهل ما يردده أبوها عنها وأكثر ... وحل المرض بقاسم فلاذ بعالمه الجديد، وتلقت أختها الطعنة في صمت وصبر وتسليم . ورحل أبوها ثم تبعته أمها، فوجدت نفسها مع أختها وحيدتين، يلم بهما أخوها لبيب كلما سمح له عمله خارج القاهرة. وقالت لهما راضية: الله لا ينسى عباده ومن توكل على الله فلا يحزن.
وذات يوم، وكان لبيب يجالسهما في جلبابه، قال: جاءني أحدهم يطلب يدك يا زينة.
خفق قلبها، ونظرت نحو بهيجة نظرة مفعمة بالذنب. فقال لبيب: لكل إنسان حظه، وفي وقت لا يتقدم ولا يتأخر.
فقالت بهيجة رغم غرقها في اليأس: صدقت تماما يا أخي ... مبارك عليها.
فقال الرجل: من ناحيتي لا أستطيع أن أهمل فرصة.
نامعلوم صفحہ