وشد ما فرحت بالعدوان الثلاثي وشد ما خابت آمالها. وفي 5 يونيو أغلقت على نفسها حجرتها وراحت ترقص، وساعة بلغها نبأ وفاة الزعيم زغردت حتى هب حازم واقفا وهو يصرخ لأول مرة: أنا في عرضك!
وكانت الشركة قد أممت، ولكن سائر مقتنيات الأسرة لم تمس، وفي عهد السادات بلغ حازم ذروته الحقيقية، وفتح مكتبا هندسيا وبات في عداد أصحاب الملايين. وقالت سميحة عن الزعيم الجديد: حقيقة أن وجهه أسود، ولكن قلبه أبيض.
ولكن لعل هزيمة سميحة على يد ابنها حسني فاقت هزيمتها السياسية ضراوة. من بادئ الأمر، أرادت أن تسيطر على الذرية كما سيطرت على الأب ولكنها سجلت خيبة كاملة. أما حسني فقد حطم السدود والقيود، أما أدهم فلم يخيب أحلامها بعد أن صنع حياته بقراره المستقل عن الجميع. ولم تجد سميحة من تصب عليه غضبها سوى حازم فقالت له باحتقار: لولا ضعفك وغباؤك لما كان ما كان.
وسقطت في كبرها فريسة للاكتئاب حتى اضطرت إلى قضاء شهر في مصحة أعصاب بحلوان. وبقي حازم صامدا رغم إصابته بالسكر، بل لعله تكيف تماما مع معاشرة المرأة المريضة. أجل، شد ما تمنى موتها فترة طويلة من عمره خاصة بعد وفاة حميه. كانت تراوده أحلام غريبة، فيراها مرة ضحية حادث للسيارة، أو مرض عضال، أو غريقة في البحر الأبيض، أو ... أو.
ولكنه كف عن أحلامه، واستوحش البيت حين إقامتها بالمصحة، واعتبر نفسه قد حقق حلمه الأبدي في النجاح والثراء.
حامد عمرو عزيز
منذ نشأته الأولى بدأ نبتا شاذا في أرض أسرته. ولعل عمرو أفندي لم يتعب في تربية أحد من ذريته كما تعب في تربيته، أحب اللعب والعراك واكتسب ثروة من قاموس أوباش الحواري والأزقة، وطالما مارس عنفه مع أخواته برغم أن ترتيبه كان السادس بينهم. ونتيجة لذلك تعثرت خطواته في الكتاب والمدرسة، وكثيرا ما يرجع إلى البيت القديم ممزق الجلباب أو دامي الأنف، فيتعرض لمجابهة أخيه الأكبر عامر، ولم يكن يتورع عن ضربه أحيانا، بخلاف عمرو أفندي الذي كان يقنع بالزجر والنصيحة والتهديد، وتظل راضية من أجله في تعامل متواصل مع الرقى والتعاويذ وتنذر النذور لأضرحة الأولياء.
وكان يضمر أخبث النوايا لبنات الأقارب مثل جميلة وبهيجة ابنتي عمه. ودنانير بنت عمته رشوانة، لولا سوء سمعته الذي حمل الأمهات على الحذر منه. وامتاز أيضا بين آله بضخامة في الجسم وكبر ووضوح في القسمات أضفت عليه حال رجولة مبكرة. وكان حلمه الأثير أن يقود عصابة مثل مشاهير الفتوات الذين يهدمون اللذات في حيه العريق. ولما حصل على شهادة الكفاءة بعد أكثر من محاولة نصح محمود عطا المراكيبي والده بأن يختصر الطريق ويدخله مدرسة الشرطة، قال: هو الحل الذي وجدته لابني حسن.
ورحب عمرو أفندي بالنصيحة فتعهد محمود عطا بتذليل العقبات بشفاعته التي لا ترد، باعتباره من الأعيان المرموقين. هكذا دخل حامد المدرسة مع حسن ابن خال أبيه في عام واحد. وجاهر محمود برغبته في تزويج حامد من كبرى بناته شكيرة فسر عمرو بتلك الرغبة التي توثق علاقته بآل المراكيبي، كما وثق ابنه عامر علاقته بآل داود. هيأ الزواج لفرعه الذابل من أسباب المجد ما لم يكن يحلم به وعزز موقعه في الشجرة الشامخة فشعر بالرفعة والرضا. وسر حامد أيضا - رغم منظر خطيبته الذي لا يسر - لطموحه إلى طيبات الحياة. راضية وحدها امتعضت وقالت: يا له من اختيار يستحق الرثاء.
فقال لها عمرو: احمدي الله يا وليه.
نامعلوم صفحہ