128

حدیث عیسیٰ بن ہشام

حديث عيسى بن هشام

اصناف

ولو أنك لم تخالطهم إلا في مجالس أنسهم وصفوهم، ومعاهد لعبهم ولهوهم، لم تجن منها إلا كل ما يبعد وينفر، وينغص ويكدر، تدخلها إذا دخلتها مستروحا مستبشرا، وتخرج عنها مستقبحا مستنكرا، فعيشتهم في كلتا الحالتين قرارة معايب، ومجتمع نقائص ومثالب، ومنابت أكدار، وينابيع أضرار، ولا راحة في الدنيا إلا لمن تنسك وتزهد، ولا سلامة من الخلق إلا لمن اعتزل وتوحد، وأبعد الناس عن معاشرة البرايا، أقربهم إلى كرم السجايا:

بعدي عن الناس برء من سقامهم

وقربهم للحجى والدين أدواء

كالبيت أفرد لا إيطاء يدركه

ولا سناد ولا في اللفظ إقواء

1

وعكفت مع الباشا في عزلتنا أذهب به كل مذهب، وأنتقل به من مطلب إلى مطلب، في مطالعة الأسفار والكتب، من تاريخ وأدب، ومن حكم متينة قويمة، وشتى علوم حديثة وقديمة، أهديه من كل طرف بطرفة، وأتحفه من كل باب بتحفة، وأجتنب معه ما يدعو إلى الضجر والملل، ويدني من الكد والكلل، فتارة أخوض معه عباب البحار، وطورا أجتاز به سراب القفار، فنرى من يحرق في البحر مراكبه، ليحمل على اقتحام المنايا كتائبه، ونسمع الشاعر في القفر يحدو بناقته، ويشبب بمعشوقته، ثم لا يقعد به ذل الغرام، عن التفاخر بعز الكرام، ولا ينسيه ذكر الهوى، مواقف الحتف والردى، فيخلط بالغزل الفخر، ويخاطب صاحبته من جوف القفر:

إنا محيوك يا سلمى فحيينا

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

وإن دعوت إلى جلى ومكرمة

نامعلوم صفحہ