[شيوخ لاحق بن محمد بن أحمد الإسكاف]
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب أدب الفقير أحمد بن عطاء
أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ شيخ الإسلام فخر الأئمة جمال الحفاظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني، رضي الله عنه، قراءة عليه وأنا أسمع في شوال سنة أربع وسبعين وخمس مائة، أنبا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي، في مدينة السلام، في ذي الحجة سنة أربع وتسعين وأربع مائة، أنبا أبو الحسن علي بن محمود الصيرفي الزوزني، أنبا أبو عياض أحمد بن محمد بن يعقوب الهروي، قال: قال أبو عبد الرحمن أحمد بن عطاء الروذباري، رحمه الله:
الحمد لله ولي المؤمنين، ومتولي الصادقين، وصلى الله على شمس الأصفياء، وقمر الأولياء محمد خاتم الأنبياء، وعلى آله المتحققين شرف أقربائه المنتجبين قصدا وصدقا بعمل أوليائه، وسلم كثيرا، أما بعد: فإن لكل حال من أحوال الفضل إذا بابه، يبلغ إلى عز الرتب، وهو واقع بالعبد القائم في الحال المعالي علم أحكامها في المقال والعقل والفعال، فإذا لزم من أعانه للأدب فيما عاناه من الأحوال استحق أن ينعت بها ويحسن عليه اسمها، فمن أشرف الأحوال حال الفقراء، ولمنتحلها أدب عزيز المطلب شريف المنتدب، وأنا ذاكر لمن طلب ما تيسر منه ليتهذب بعلم من أثر جمال الأدب فيليق عليه الفقر في سلوكه سبل المذهب الموصل إلى شريف مقامات قربه. فأدب الفقير في ظاهره أن يكون ظريف الوصف، كريم العرف، ظلف النفس عن الخلق، فصيح العبارة بالصدق، حسن الإشارة إلى الحق، قليل العبوس، كثير الجلوس، ميت النفس، ذبل الحس، لا يحسبه على الفقر حكم الاضطرار، بل يكون فيه بكل الاختيار لا.
حسن زمن ولا طيبه، ولمن لا يتشرف ولا يتكلف ولا يعرفه إخوانه إلا بحسن الاعتراف، عرفه بينهم ترك الخلاف، يدور معهم حيث داروا وتسبق إرادته إلى ما أرادوا لا يعرض في شيء سألوه، ولا يعترض على ما أظهره إن جروا معه في علم جرى فيه، برؤية فضلهم عليه لا برؤية فضله عليهم ، يكون لهم من حيث هم ولا يريد أن يكون من حيث هو، ويكون قلبه لهم سليما، وبعده منهم كقربه، يعتمد لهم خالص حبه، وإن بدا عليه شاهد فكر في أحدهم اتهم ظنه، وإن جرى من قلبه لأحدهم جفاء اتهم نفسه وتاب إلى الله من ذلك، وعلم أنه لو ساكن ذلك انفتحت عليه أبواب المهالك، فهذا أدبه مع أهل زمانه الذين جمعه معهم منهل شانه. وأدب قيامه في مقام حال الفقر، فوقوعه على قلبه، وعمله في سره، ومعرفته بذكره وانتشاره به، ومظهره في ذكره. وأدب قلب الفقير حفظه من الهم الكبير والصغير مما أمر بالإعراض عنه وندب إلى التخلي منه ثم حفظه من رؤيته أنه بلغ بعلمه، بل يجعله مقرونا بإشفاقه ووجله جزعا من فتح الطرد ووحشة الرد إلى سماجة التعلق بحب الدنيا، وحفظ القلب من ران محبة الثناء عليه لحاله أو محبة وصفه بها من أشكاله، فإن طرق سمعه ثناء عليه فأدبه أن يرجع إلى الذي أسدى ذاك إليه فيضاعف له شكره، وممتثل بصدق طاعته أمره. وأدب سر الفقير إخلاص تذلله في مسراه للمسرى في سعة معرفة الآية. وأدب فكر الفقير جمعه في حال الفكر برؤية تأييد الله تبارك وتعالى له فيما عرفه وتثبيته إياه فيما لحقه.
وأدب هم الفقير تجريده من غير ماله لله وإلباسه ثوب الفقر إلى الله وثوب الفخر بجوائز الله عز وجل فهذا نعت ما حذى به الفقير من الهموم، فعلى من وهبه الله تعالى له أن يسرع بما هم به إلى مراتب العزوم وما أحق العلوم، ثم يتصرف به في علمه ويوثق به عرى أمله. وأدب الفقير في ذكره أن يعيب ذكر غير الله في ذكره، وأن يصفيه من شوب التقسيم والانفصام يرفعه على إخلاص التوحيد ويسقيه بمحض التفريد، فمن تأدب هكذا في فقره اكتسى لبسة حسنة على جهره وهو خالص التشمير، فيا حسناها على الفقير، ومن أحكام هذه اللبسة: الصول بها على نفسه والغيرة عليها من حسه والذب عنها ومعرفة حقها وعظم قدرها وذلك بشكر واهبها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
آخره والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
سمعت الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبا طاهر أحمد بن محمد السلفي، سمعت الشيخ أبا المؤيد عيسى بن عبد الله الغزنوي الواعظ، ببغداد وكان يتكلم في الحقيقة فانقلبت به بغداد، وهو من أصحاب أبي علي الفرموي، يقول المريد: إنما يصل إلى مقصوده بالحرمة لا بالخدمة، فقيل له: ما الحرمة، قال: أن تحرم عليك ما تميل إليه النفس، قال: فسألته أنا عن التصوف؟ فقال: قد قيل: ترك التكلف، وقيل: ترك التصرف، وقيل: التصرف بعد التعرف، والذي أقول أنا: التصوف ترك الألفاظ التي وردت في التصوف.
صفحہ 2