25
فقال: «وقد يجعل إعراب الجمع بالواو والنون في النون، وأكثر ما يجيء ذلك في الشعر، ويلزم الياء إذ ذاك.» فلعل هذه العبارة المطلقة تشير إلى ما عناه ابن مالك بقوله: «وهو عند قوم يطرد» وإن كان ابن يعيش يقيد هذا الإطلاق ويجعله فيما يجمع بالواو والنون عوضا عن نقص لحقه، وهو باب «سنين»، في قول ابن مالك، ويقول: «والشيخ قد أطلق ها هنا، والحق ما ذكرته.» ولكن عبارة ابن مالك وكثيرين من شراحه - وغير شراحه من النحويين
26 - واضحة في أن من العرب من يجعل الإعراب في جمع المذكر السالم، وفي كل ما حمل عليه، على النون، ويسوقون لذلك الشواهد، رغم تحكم ابن يعيش في إطلاق الزمخشري المؤذن بهذا الاطراد الذي ذكره ابن مالك. على أن هؤلاء الشراح ينقلون في إجمال أن الصحيح في إجراء الجمع مجرى حين، أن يقصر ذلك على السماع ولا يطرد، ونحن هنا ما يعنينا هذا التصحيح بعدما اصطحبنا أصل النحويين في استعمال الأقل والأبعد عن القياس، وتسويغهم ذلك في السجع، ولكنا نظن أن قول الشراح في القصر على السماع كقول ابن يعيش في تقييده إطلاق الزمخشري هذا الإعراب، كلاهما نوع من الإلف والميل إلى الشائع المستقر، لا يقوم على وجه ولا على حجة.
وبعد هذا الذي قدمناه، ننظر فإذا نحن في لغة الحياة، نلزم هذا الجمع الياء في أحواله كلها، ونستغني كدأب لغتنا كلها عن علامة الإعراب، فهل هذه لهجة عربية أصلها إجراء جمع المذكر السالم مجرى حين؟ ليس هذا عندي ببعيد أبدا، وإذا ذكرنا ما ورد في «التصريح» عند الحديث عن إعراب جمع الذكور وما حمل عليه إعراب «حين»، من قوله في تعليل ذلك وتوجيهه «لأن باب الياء أوسع من باب الواو.»
27
إذا ذكرنا هذا ونظرنا إليه، قدرنا أن هذه السعة في باب الياء قد تكون العامل الذي أغرانا في مصر بإلزام هذا الجمع الياء دائما. •••
وبعد، فإذا ما قدرتم يا سادة، أنهم جوزوا تركيب اللغات وتركيب المذاهب، كما أوضح ذلك ابن جني في «الخصائص»، حين عقد فصلا في الجزء الأول لتركيب اللغات، وعقد فصلا في الجزء الثاني المخطوط لتركيب المذاهب، وذكرتم مع هذا أن الأصوليين - وهم أئمة النحاة في أصولهم - قد جرى جمهورهم وجمهور الفقهاء على أخذ حكم المسألة الواحدة من أكثر من مذهب؛ إذا قدرتم ذلك كله، فهل تجيزون أن نجري جمع المذكر السالم في تعليمنا النحو على هذه الياء التي بابها أوسع من باب الواو، فنجعله بالياء في كل حين، ونلزمه مع ذلك فتح النون تركيبا للغات أو المذاهب؟ إن رأيتم ذلك فبها، وإلا فيكفي في اليسر أن يكون بالياء دائما، كما نعرفه، وأن يعرب بالحركات على النون. (د)
الجمع بألف وتاء، ينصب بالكسرة حين يجر ما لا ينصرف بالفتحة، وهي مقابلة متعبة، مهما يجهد الأقدمون في الكلام عنها ويلتمسوا لها علة.
28
ويتعلق القدماء والمحدثون بأشياء في توجيه هذه المخالفة في الحالتين: والقول في مثل هذه الأشياء باعتبارات نظرية عقلية يعد من الإخلال القبيح بالمنهج اللغوي، وهو مع ذلك قول متهافت تهافتا واضحا، ألا ترونهم في هذا الجمع بألف وتاء يحاولون حمله على جمع المذكر السالم في الجر والنصب معا بالياء، ويكدون ليخرجوا من هذا أصلا في العربية مقررا، على حين أن جمع المذكر نفسه قد سمعنا قريبا أنه قد يطرد إجراؤه مثل «حين» في الإعراب على النون مع الياء، كما أن من العرب من يلزمه الواو ويعربه على النون
نامعلوم صفحہ