4
ولم يغمر طوفان التورانيين الحقيقيين ذوي الشعر الأملس واللحى الكثة والعيون الأفقية سهول الهند إلا بعد ذلك بزمن طويل، وذلك من الباب الآري.
وقبل أن نتكلم عن أولئك التورانيين، نرى أن نبحث فيما آل إليه العرق الأصفر في الهند وما تركه فيها من أثر.
ابتعد غزاة الهند الأولون عن وادي برهما بوترا، متوجهين إلى الجنوب فوجدوا أنفسهم أمام منطقة الجبال الوسطى الشاهقة المعروفة اليوم بجبال غوندوانا، فكانت هذه المنطقة ملجأ للأهالي السود الذين لم يستطيعوا لأولئك الغزاة ردا، والذين هم مدينون فيما نالوه من الوقاية للجو الخطر القاتل للأجنبي أكثر مما لطبيعة الأرض القفر الكثيرة المصاعب.
وانقلب الغزو الأصفر إلى اتجاهين بعد أن وقف على ذلك الوجه: أحدهما نحو وادي الغنج، والآخر نحو الجنوب سائرا مع شواطئ خليج البنغال.
وأول ما أسفر عنه توالد غزاة آسيا وسود الهند ظهور قدماء الدراويد الذين يعدون سكان الهند الأصليين لتغلب العنصر الفطري، ثم جاء غزاة آخرون فدحروا هؤلاء إلى الجبال فانتشروا في جنوب شبه جزيرة الهند، ثم توالدوا هم وقدماء الدراويد، لا هم والزنوج رأسا، فأسفر هذا التوالد عن ظهور الدراويد أو التمول الذين يبتعدون عن المثال الأصلي أكثر مما تقدم.
وإذا نظرت إلى أثر الغزو الأصفر في عروق الهند رأيته يتجلى في الشمال حيث وادي برهما بوترا الذي ازدحم عليه في قرون كثيرة ما خرج من آسيا الشرقية من الجموع لا ريب، وينتسب إلى العرق الأصفر الخالص مليونا النفس اللذان يسكنان ولاية آسام، ومنطقة البنغال، وإن كان يسكنها مزيج من الآدميين تجد فيها أثر الغزوات الأولى التي اجتاحت بغير عائق سهولها الخصبة، وكلما تدرجت إلى الجنوب سائرا على سواحل البنغال وجدت العرق الأصفر يغرق في طبقات السود القديمة، ويمكن تبين العرق الأصفر في الشمال، حيث يسكن السانتهال مثلا، أحسن من تبينه في المناطق الجبلية الوسطى حيث ظل الكوند والملير والغوند قريبين من المثال الأول، وحيث تجد، على ما يحتمل، حفدة قدماء النيغريتو الأصليين.
ثم تبلغ جنوب الهند الممتد من غوداوري إلى رأس كماري فترى الشعوب الدراويدية التي يعد التمول والتيلغو أهمها، والتي هي نتيجة توالد الأمم الصفر والأمم السود وما امتزج بها بعد زمن طويل من شتى العناصر، ولا سيما العنصر التوراني.
ونحن قبل أن نتكلم عن المغازي التورانية التي جاءت من غرب الهند ، ولننتهي إلى العروق الصفر، نذكر أن سكان هضاب همالية العليا والأودية الواقعة بين هذه الجبال وكاراكورم، خلا وادي كشمير، هم من أهل التبت القريبين من جيرانهم سكان الصين الغربية، ولكننا لا نعنى هنا كثيرا بما أسفر عنه غزو عنيف مفاجئ من النتائج، وإنما نقول: إن هذه الأودية والهضاب جزء من التبت أكثر من أن تكون جزءا من الهند من الناحية الجغرافية، وإن الشعوب التي تقطن فيها هي من أرومة التبت، وتعتنق الدين الذي يعتنقه أهل التبت، وتتصف بما يتصف به أهل التبت من الطبائع والأخلاق، وإنه يسكن لداخ ودارستان وبالتي وبهوتان وجزءا من نيبال تبتيون ذوو وجنات ناتئة وأجفان مزمومة.
ومع أنه يتعذر تعيين الزمن الذي نفذت فيه المغازي من الباب التوراني إلى الهند، ومع أننا لم نر غزوة تمت من هذه الطريق منذ بدء الأزمنة التاريخية نعرف مفصلا تاريخ كثير من الغزوات التي جاءت من آسيا الغربية مجاوزة الباب الآري، وهذا إلى أن أقدم هذه الغزوات ظل مجهولا في مجاهل الزمن، ولم يعرف إلا من نتائجه الإثنولوجية كما عرفت نتائج مغازي الشعوب الصفر.
نامعلوم صفحہ