225

وكان خفراء من الجنود يحافظون على السياح، فكانوا مسئولين تجاه قادتهم المقيمين بالمدن الكبيرة عن كل ما يصاب به من يرافقونهم منهم، فإذا ما قصروا في العناية بسائح أو لم يجيدوا الدفاع عنه لم يوص به رئيسهم فيخسروا معاشهم.

وفي شمال الهند كانت الطرق الجيدة والمواصلات السهلة، وعكس ذلك حال الدكن الناشزة البعيدة من مقر الدولة.

وكانت تعد جميع أراضي الدولة المغولية ملكا شخصيا لولي الأمر، وكانت تقسم إلى صنفين، فالصنف الأول كان يشتمل على الأراضي التي يقطع الملك قادة الجيش إياها بشرط أن ينفقوا على كتائبهم وأن يدفعوا إلى بيت المال مبلغا معينا في كل سنة، والصنف الثاني كان يشتمل على الأراضي التي يستأجرها ملتزمون ببدل سنوي يؤدونه، فكان هؤلاء الملتزمون، كنواب الملك، ذوي سلطان مطلق على من يقبضون على زمامهم من الأهالي، فكانوا يجورون عليهم في الغالب، فكان الفلاح التعب من العمل الدائم في سبيل غيره لا يبالي بالزرع فلا يحرث ولا يحصد إلا بالسياط، وكان إذا ما جمع مالا دفنه في التراب مظهرا أقصى درجات البؤس حذر سلب ما عنده ظلما وعدوانا.

ووصف السائح فرنسيس بيرنيه - الذي أقام بدهلي اثنتي عشرة سنة في أواسط القرن السابع عشر، أي في عهد الملك شاهجهان فاقتبسنا منه هذه التفاصيل - مظالم الولاة ورشاهم وبؤس الرعايا وافتقارهم وصفا قاتما.

كان العدل غير سليم، فكان يغوى القضاة بالهدايا كما يغوى وزراء الملك وبطائنه وأزواجه، أجل، إن الملك أكبر علق في قصره أجراسا يمكن كل إنسان أن يقرعها ليشكو ظلما أصابه، غير أن القوم كانوا يعلمون أن من يصنع ذلك يكون عرضة لانتقام الظالمين الفظيع، فكانت تلك الوسيلة غير صالحة لدرء المظالم.

والملك إذ كان يتعذر عليه أن يدير شئون ممالكه الواسعة بنفسه وأن يراقب نائبيه كان يرسل مفتشين من لدنه ليخبروه بما يقع، ولكن هؤلاء ما كانوا ليشوا إلى الملك بغير فقراء الحكام أو بخلاء الولاة الذين لم يشتروا حسن شهادتهم لهم.

وما كان أمر الجيش خيرا من ذلك، فقد عدل عن نظام أكبر في دفع رواتب الجنود نقدا إلى إقطاع أمراء الجيش الإقطاعات على أن يمونوا الجنود، وأمر هذا الإقطاع إذ كان موقتا لم يفكر أولئك الأمراء في غير الاغتناء سريعا على حساب الكتائب، فكان الجنود يسرحون والخيول تباع، فإذا ما أريد العرض اكترى أمير الجيش خيلا وجعل من العبيد جنودا، وما كان الملك ليجهل هذا الخداع، وإنما كان يغمض عينيه مكتفيا بتبديل ولاته وقواده؛ لكيلا يكون لديهم من الوقت ما يقدرون فيه على الاغتناء كثيرا والتفكير في العصيان.

ومع ما تبصره من نقص في النظام العسكري يثبت توالي انتصارات الجيوش الإسلامية على الجيوش الهندوسية تفوق تلك على هذه، ومما نعلمه أن راجه بيجانغر عجب، أيام فتوح الدكن الأولى التي تمت في القرن الخامس عشر، من أنه لم يغلب المسلمين في أية ملحمة فعقد مجلسا من الأكشترية والبراهمة؛ لاكتشاف السبب في توالي انكساراته مع أنه أكثر جندا وأوسع أرضا وأوفر مالا.

بدا البراهمة أول المتكلمين فعزوا تلك الانتصارات إلى المشيئة الإلهية لا ريب، بيد أن الأكشترية اعترفوا بأن المسلمين أمهر من الهندوس في الرماية وأن خيولهم العربية أو الفارسية أهم من فروس الدكن القصيرة، فأسفر ذلك عن سعي الراجوات في اجتذاب المسلمين إلى جيوشهم فاستطاعوا أن يضموا فريقا من المسلمين إليها فتم لهم بذلك بعض الفوز على ممالك الدكن الإسلامية التي مزقتها الفتن الداخلية، وفوز تم للهندوس مثل هذا لم يدم، مع ذلك، إلا إلى حين إغضاء الممالك الإسلامية عن اقتتالها قليل زمن متألبة عليهم.

ولم يتم ذلك إلا في أواخر الدولة المغولية حين قلت الحروب وانحلت عرى الجيوش الإسلامية ووقعت في الحال التي نشأت عن جشع القواد وعدم اكتراثهم فألمعنا إليها آنفا، وأضحت تلك الجيوش أداة ناقصة في أيدي الملوك عندما أخذت الفتن تشتعل بين الأهالي وشرع نواب الملك المسلمون يرفعون رايات العصيان فيضعضعون أركان دولة المغول الكبرى.

نامعلوم صفحہ