216

إذن، ليس من العجيب أن يرى الباحثون شبها بين مجتمع ذلك نظامه والمجتمع الإقطاعي أيام الحروب الصليبية، والآن نبين ما ينطوي تحت تلك المماثلات الظاهرة من فروق عميقة.

يتصل طور المجتمع الراجبوتي الراهن بطور الحضارة الذي تقدمه رأسا، لا بالنظام الإقطاعي، وما تراه في أوروبا الآن من الدول الكبرى فهو وليد جمع سار من طور الفرد الهمجي إلى طور الأسرة فإلى طور القبيلة فإلى طور الشعب فإلى طور الإقطاع فإلى طور الأمة.

ليس النظام الراجبوتي بقائم على الإقطاع، بل على النظام الشعبي.

والشعب ليس إلا أسرة مكبرة، ويستحيل على الأسرة أن تصبح شعبا قبل أن تجاوز الطور القبلي.

ولنفترض أن هنالك مجتمعا همجيا مقسوما إلى أسر، وأنه ظهر من هذه الأسر شخص مقدام مقحام خلق للقيادة، وأن خصومة نشبت أو أرضا ضاقت أو مطامع حول مكان آخر ثارت حين بلوغ ذلك الشخص سن الرجولة فإن ذلك الرجل الجسور لا يسير وحده بحكم الطبيعة بل يستعين برجال أسرته الذين اتفق له سلطان عليهم فيتبعونه بحماسة، ثم ينضم إليه رجال من الجيران والأفاقين والمنحطين والمجرمين، ثم يمضي هو وصحبه هؤلاء قدما فيستولون على أرض عنوة فيستقرون بها فيقيمون حولها حاجزا فينتحلون، كعصابة، اسم زعيمهم ويعدونه أبا تمييزا لهم من المجاورين المعادين.

ذلك أمر رومولوس وصحبه، وذلك أمر داود في مغارة عدلام.

ولا تصبح هذه القبيلة المصنوعة، التي تألفت من اجتماع أفاقين مختلفي الأنساب تحت قيادة زعيم، شعبا إلا بعد حين، أي عندما تنسى فروق الأنساب بين هؤلاء الأفاقين فيستطيع حفدتهم أن يدعوا أنهم من ذرية مؤسس القبيلة الأول، فتكون رآستهم لأكبر أبناء هذا المؤسس.

ومن ثم ترى أن عد أبناء الشعب الواحد أنفسهم ذرية جد واحد لم يقم على غير الافتراض الوهمي، ومهما يكن من وهم في هذا الافتراض فإن قولنا ذلك يكفي لتمييز الشعب الراجبوتي من الإمارة الإقطاعية الأوربية، فمع أن أتباع الأمير الإقطاعي دونه منزلة ولا يرتبطون فيه فلا يحتملون نيره إلا لضعفهم تجد أبناء الشعب الراجبوتي يرون أنفسهم إخوانا لرئيسهم مساوين له وارثين الشرف مثله كابرا عن كابر، ولهؤلاء الأبناء ما لرئيسهم هذا من حقوق الإكرام، وهو إذا خاطبهم فكما يخاطب الأخ الأكبر إخوته الصغار الذين لهم ما له من المصالح فلا يمتشقون الحسام معه إلا لحماية هذه المصالح المشتركة، ولا يبدو سلطان هذا الرئيس مطلقا إلا أمام العدو في الحرب كما يبدو سلطان القائد العام في جميع البلدان.

وما كانت قيادة الجيش، التي هي أهم المناصب في دولة حربية منظمة، لتترك الصبي، فمما كان يحدث، أحيانا، أن تقطع ممارسة الحكم لدى الشعوب الراجبوتية عندما يئول العرش إلى عاجز عن القيام بأعباء الملك، فيفوض أمره إذ ذاك إلى ابن عم الكلالة،

16

نامعلوم صفحہ