209

يبدأ العصر الذي نصفه الآن حوالي القرن الثامن من الميلاد أي حين توارت البدهية عن الهند تقريبا، فالبدهية، بعد أن سيطرت على الهند ألف سنة، خسرت سلطانها على النفوس، فماتت، فكان موتها دليلا على تبدل المجتمع، وبرهمية القرون الأولى هي التي حلت محل البدهية، ولكن مع ما اعتورها من تطور بالغ بفعل تلك البدهية.

شكل 4-1: إيلورا. قسم من مقدم معبد إندرا المصنوع تحت الأرض «في القرن السادس من الميلاد»، «يبلغ ارتفاع مجموع المقدم 11 مترا و20 سنتيمترا.»

شكل 4-2: إيلوار. داخل المعبد السابق المصنوع تحت الأرض «يبلغ ارتفاعه مترين و60 سنتيمترا.»

وفي العصر الذي انتهينا إليه كان النظام السياسي الذي أعان على انتشار البدهية، أي على اتحاد معظم الهند تحت سيد واحد، قد زال منذ زمن طويل، فقد انقسمت الهند إلى دويلات كثيرة ملكية مطلقة مستقلة متناجزة في الغالب.

وتاريخ العصر الذي ندرسه في هذا الفصل فيمتد من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر بعد الميلاد، أي الذي دام منذ أفول البدهية إلى دور المغازي الإسلامية، من أكثر التواريخ غموضا، فلولا ما وصل إلينا من مبانيه التي تنطق بعظمة الممالك التي ازدهرت فيه ما علمنا من أمره إلا قليلا، والمباني الخربة وبعض الكتابات والنقود والكتب الأدبية التي لا يعرف تاريخها هي كل ما بقي من وثائق ذلك العصر، وهذه الوثائق تكفي، مع ذلك، لإثبات أن ذلك العصر الجديد ليس أقل ازدهارا من الذي جاء قبله.

إذن، وثائق بعث المجتمع الهندوسي حوالي القرن العاشر قليلة جدا، وهي تؤدي، مع ذلك، إلى رسم خطوط الحضارة التي ندرسها في هذا الفصل.

وما تملأ به الهند من المباني العجيبة، فلا يقاس به ما أنشئ في القرن الأول من الميلاد، هو أهم وثائق ذلك العصر، فقد رأينا في الفصل السابق درجة وضوح هذه الكتب الحجرية التي تبدو صفحات هائلة فوق أرض الهند، فبهذه المباني نستطيع أن نقف على ما اعتور أديان الهند من التطور البالغ.

قامت المعتقدات الجديدة التي نبحث فيها الآن على أساس المبادئ القديمة التي تغلبت عليها البدهية عدة قرون، نعم، بعث الدين القديم، ولكن مع تبدل عميق بفعل البدهية من جهة وبفعل روح الأجيال الجديدة من جهة أخرى، وهذا الدين الذي نسميه «البرهمية الجديدة» هو الدين السائد اليوم، وهو الدين الرسمي لمعظم الهند الحديثة على الدوام، وهو وإن حولته الأفعال لم تتبدل أصوله، ونحن، حين ندرس هذه الأصول كما تبدو لنا اليوم، نتمثل ما كانت عليه منذ ثمانية قرون على وجه التقريب.

نتبين دين ذلك العصر بدرجة الكفاية بما انتهى إلينا من المباني والكتب إذن، وبالمباني نطلع على حال الحضارة الهندوسية في القرون التي مرت قبل الفتح الإسلامي، ومن دواعي الأسف أنها لا تفيد كثيرا في استخراج نظم ذلك العصر الغامض السياسية والاجتماعية، وهو الذي نسجت فيه شبكة ما في الهند من العادات والمعتقدات التي لا تزال تكتنفها.

وإذا كنا لا نستجلي نظم المجتمع الهندوسي السياسية والاجتماعية في ذلك العصر بما لدينا من المباني والكتب لم يبق لنا، لبلوغ ذلك، سوى البحث عن بقعة في الهند صانت نفسها، لعزلتها، عن المؤثرات الأجنبية فحافظت على النظام القديم، من غير تغيير كبير.

نامعلوم صفحہ