وحساباتها، ولم يقتصر دوبليكس على انتحال غرض، فقد قدر ببصره الحديد الوسائل المؤدية إلى بلوغ ذلك الغرض، فرأى أن جميع ما يمكن أمراء الهند أن يحشدوه من الجيوش في ميدان القتال لا يقدر على مقاومة فئة قليلة من الجنود المدربين الذين يقادون بحسب فن الغرب الحربي، ورأى أيضا أن أهالي الهند يمكنهم أن يتحولوا إلى كتائب يباهي بقيادتها مريشال سكس أو فردريك الكبير إذا كان على رأسهم زعماء أوربيون، ورأى أيضا أن أفضل ما يستطيع أن يتمسك به أفاق أوربي ليصل إلى الحكم في الهند هو أن يوجه الأحوال والأهواء، وأن يتكلم بلسان إحدى اللعب الفخمة التي تحمل ألقاب الملوك أو الأمراء، فكان دوبليكس أول من طبقوا فنون الحرب والسياسة التي سار عليها الإنجليز بعد سنوات قليلة موفقين.
شكل 2-1: بدهه غيا. المعبد الكبير «يبلغ ارتفاعه 52 مترا»، «تدل صورة هذا المعبد التي التقطها المؤلف على حاله الحاضرة بعد ترميمه وإصلاحه، وقد أنشئ قبيل الميلاد، ونرجح أن يكون سياجه الذي يرى بعض أنقاضه في هذه الصورة قد أقيم في زمن أشوكا، في القرن الثالث قبل الميلاد.»
ثم كرر الفيلسوف الإنجليزي ستيوارت ميل ما قاله ماكولي تقريبا عندما بحث في أسباب فتح الإنجليز للهند فقال:
إن الاكتشافين المهمين اللذين انتهى الفرنسيون إليهما لفتح الهند هما: ضعف جيوش الأهالي تجاه الكتائب الأوربية المدربة، وسهولة تدريب من يستخدمهم الأوربيون من الأهالي على النظام الأوربي الحربي.
وإلى ذينك السببين يعزو الإنجليزي المفضال الأستاذ سيلي فتح الهند، فبعد أن ذكرهما في كتاب نشره حديثا لم ير أن ذلك الفتح نشأ عن بسطة الإنجليز في الخلق والخلق كما يتشدق به بعض هؤلاء، وعلى ما أراه من عدم القسوة على الإنجليز، خلافا للأستاذ سيلي الشديد في حكمه على أبناء قومه، أضيف إلى السببين المذكورين آنفا عناد الإنجليز وعزمهم الذي لا ينثني، ففي هذين الخلقين سر سيادتهم وبقاء سلطانهم.
وليس ذانك الاكتشافان وحدهما ما أسفرت عنه عبقرية دوبليكس، فالإنجليز مدينون له، أيضا، باكتشاف ثالث طبقوه، فقد قام هذا الاكتشاف، الذي هو مثل ذينك الاكتشافين أهمية، على إمكان تدويخ مستعمرة بأموال أهاليها المغلوبين ورجالهم، ومن الغريب أن يعجز الفرنسيون عن العمل بهذا المبدأ الذي اهتدى إليه واحد منهم، فقد أثبت مثال تونكن ومثال الجزائر وغيرهما من الأمثلة درجة عجز المكتشفين لأحد المبادئ عن تطبيق هذا المبدأ في بعض الأحيان.
والإنجليز، حين اتخذوا مبادئ دوبليكس نبراسا لهم، توصلوا إلى فتح الهند برجال الهندوس وأموالهم، وإن شئت فقل بجنود غير جنودهم ونقود غير نقودهم،
5
فالحق أن الهند دانت للإنجليز بجيوش مؤلفة من الهندوس وبأموال أدتها حكومات من الهندوس.
وقد يعجب الإنسان، أول وهلة، من قهر تلك الملايين الكثيرة بسهولة، مع أنه يجب أن تكون جيوش الفاتحين مؤلفة من جنود كثيرين، لا من بضعة آلاف من الجنود، ولكن عجبه يبطل إذا قرأ فصول هذا الكتاب السابقة، ففيها يرى أن كلمة «الهند» ليست سوى تعبير جغرافي، وأن الهند بلاد شعوب مختلفة أشد الاختلاف، وأنها لا تحتوي على ما تعرفه أوروبا من معنى «الأمة الواحدة»، أي وحدة العرق واللغة والمشاعر المؤدية إلى وحدة المصالح، وأنها لا تشتمل على قومية هندية كالقومية الفرنسية أو القومية الألمانية أو القومية الطليانية، إلخ، وأن بعض شعوب الهند المختلفة أجنبي عن بعض، وأن نظام الطوائف الذي يفرق بين مختلف طبقات العرق الواحد، كما سنرى ذلك، يوجب نظر أي هندوسي إلى أكثرية أبناء قومه الساحقة كغرباء مثل الأوربيين كما يعد الراجبوتي سكان جنوب الهند من الغرباء.
نامعلوم صفحہ