ويجب على من يرغب في الحكم بفائدة كتاب ديني ألا ينظر إلى قواعده الفلسفية الضعيفة على العموم، بل إلى مدى تأثير عقائده، والإسلام إذا ما نظر إليه من هذه الناحية وجد من أشد الأديان تأثيرا في الناس، وهو، مع مماثلته لأكثر الأديان في الأمر بالعدل والإحسان والصلاة ... إلخ، يعلم هذه الأمور بسهولة يستمرئها الجميع، وهو يعرف، فضلا عن ذلك، أن يصب في النفوس إيمانا ثابتا لا تزعزعه الشبهات.
ولا ريب في أن نفوذ الإسلام السياسي والمدني كان عظيما إلى الغاية، فقد كانت بلاد العرب قبل محمد مؤلفة من إمارات مستقلة وقبائل متقاتلة دائما، فلما ظهر محمد ومضى على ظهوره قرن واحد كانت دولة العرب ممتدة من الهند إلى إسپانية، وكانت الحضارة تسطع بنورها الوهاج في جميع المدن التي خفقت راية النبي فوقها.
والإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشافات العلم، ومن أعظمها تهذيبا للنفوس وحملا على العدل والإحسان والتسامح ، والبدهية، وإن فاقت جميع الأديان السامية فلسفة، تراها مضطرة أن تتحول تحولا تاما لتستمرئها الجموع، وهي لا شك، دون الإسلام في شكلها المعدل هذا.
وجرت حضارة العرب، التي أوجدها أتباع محمد، على سنة جميع الحضارات التي ظهرت في الدنيا: نشوء فاعتلاء فهبوط فموت، ومع ما أصاب حضارة العرب من الدثور، كالحضارات التي ظهرت قبلها، لم يمس الزمن دين النبي الذي له من النفوذ ما له في الماضي، والذي لا يزال ذا سلطان كبير على النفوس، مع أن الأديان الأخرى التي هي أقدم منه تخسر كل يوم شيئا من قوتها.
ويدين بالإسلام في الوقت الحاضر أكثر من مائة مليون شخص، واعتنقته جزيرة العرب ومصر وسورية وفلسطين وآسية الصغرى وجزء كبير من الهند وروسية والصين، ثم جميع إفريقية إلى ما تحت خط الاستواء تقريبا.
وتجمع بين مختلف الشعوب التي اتخذت القرآن دستورا لها وحدة اللغة والصلات التي يسفر عنها مجيء الحجيج إلى مكة من جميع بلاد العالم الإسلامي.
وتجب على جميع أتباع محمد تلاوة القرآن باللغة العربية بقدر الإمكان، واللغة العربية هي، لذلك، أكثر لغات العالم انتشارا على ما يحتمل، وعلى ما بين الشعوب الإسلامية من الفروق العنصرية ترى بينها من التضامن الكبير ما يمكن جمعها به تحت علم واحد في أحد الأيام.
وقضى أعداء الإسلام من المؤرخين العجب من سرعة انتشار القرآن العظيمة فعزوها إلى ما زعموه من تحلل محمد وبطشه، ويسهل علينا أن نثبت أن هذه المزاعم لا تقوم على أساس، فنقول: إن من يقرأ القرآن يجد فيه ما في الأديان الأخرى من الصرامة، وإن ما أباحه القرآن من تعدد الزوجات لم يكن غريبا على الشعوب المسلمة التي عرفته قبل ظهور محمد، وإن هذه الشعوب لم تجد نفعا جديدا في القرآن لهذا السبب.
وما قيل من دليل حول تحلل محمد نقضه العلامة الفيلسوف بيل منذ زمن طويل، وقال بيل، بعد أن أثبت أن ما أمر النبي بالتزامه من قيود الصيام وتحريم الخمر ومبادئ الأخلاق هو أشد مما أمر به النصارى :
إن من الضلال، إذن، أن يعزى انتشار الإسلام السريع في أنحاء الدنيا إلى أنه يلقي عن كاهل الإنسان ما شق من التكاليف والأعمال الصالحة، وأنه يبيح له البقاء على سيئ الأخلاق، وقد دون هوتنجر قائمة طويلة بالأخلاق الكريمة والآداب الحميدة عند المسلمين، فأرى، مع القصد في مدح الإسلام، أن هذه القائمة تحتوي أقصى ما يمكن أن يؤمر به إنسان من التحلي بمكارم الأخلاق، والابتعاد عن العيوب والآثام.
نامعلوم صفحہ