شكل 2-3: عربيان حضريان من سورية (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف بدمشق).
والحق أن تمثل الأوربيين للعرب على هذا الوجه هو من عدم الصحة كتمثل العرب للأوربيين، وذلك أنه يوجد بين العرب مثل كالتي تشاهد في أوربة، وأن العرب قد انتهوا، بما صادفهم من البيئات، وبما اختلطوا به من الأمم، إلى أمزجة كثيرة معقدة إلى الغاية.
وعلى ذلك أصبح عرب مكة، بعد أن كان يتألف منهم عرق خالص في الماضي، مزيجا من أبناء مختلف الشعوب المنتشرين فيما بين المحيط الأطلنطي ونهر السند والذين يحجون مكة في كل سنة منذ زمن محمد، وقل مثل هذا عن عرب إفريقية وسورية الذين اختلطوا بالفنيقيين والبربر والترك والكلدان والتركمان والفرس والأغارقة والرومان، ولا تستثن من هذا أجزاء جزيرة العرب الوسطى المنعزلة، كبلاد نجد، التي اختلط أهلوها بالزنوج على نسب واسعة منذ قرون.
واستوقف تأثير الزنوج في سكان جزيرة العرب نظر جمع السياح الذين ارتادوها، ومن ذلك أن روى روتا وجود بقعة في اليمن صار سكانها من أصحاب الجلود السود على وجه التقريب، مع أن سكان الجبال من أهل اليمن الذين قل اختلاطهم بالآخرين ظلوا بيضا، وإن قص هذا السائح، في معرض الكلام عن أسرة أحد رؤساء تلك البقعة، أنه «يوجد في أبنائها جميع الألوان التي تترجح بين الأسود والأبيض تبعا للعروق التي تنتسب إليها أمهاتهم، ومن ذلك أن رأى والين قبائل من العبيد السود في الجوف، وأنه يوجد زنوج في نجد وفي بقية جزيرة العرب من غير اكتراث للون وللتوالد، ومن ذلك أن رأى پلغريڨ مقاليد مدينة القطيف النجدية المهمة بيد زنجي، ومما قاله پلغريڨ: «إنني رأيت في الرياض أناسا من الخلاسيين
8
يحملون سيوفا ذات مقابض فضية ويخدمهم عرب خلص من أبناء إسماعيل وقحطان.»
وعجبت ليدي بلنت من عدم الاكتراث لأمر اللون أيضا، وذلك في رحلتها إلى بلاد نجد في سنة 1878، فروت أن حاكم مدينة سكاكة النجدية زنجي أسود كريه الملامح كزنوج إفريقية، ثم قالت: «إن مما لا يصدقه العقل أن يحيط بهذا الحاكم الزنجي، الذي لا يزال عبدا، رهط من الندماء البيض الخالصي العروبة يمتثلون أوامره، ويبتسمون استحسانا لأفاكيهه التافهة.»
واختلاط مختلف العروق أظهر ما يكون لدى أهل الحضر من العرب، ويباهي كل عربي بوجود نسوة من مختلف الألوان في دائرة حريمه، ويتجلى صفاء العرق في سكان الجبال وأهل البدو من العرب أكثر مما في غيرهم، وذلك مع ملاحظة وجود أناس من أهل بادية الشام الشرقية، القريبة من تدمر على الخصوص، شقر زرق العيون بسبب اختلاطهم بأهل الشمال على ما يلوح. (5) وصف الفوارق بين العرب
إن الفارق الأساسي الوحيد بين العرب هو ما أيدته تقاليدهم وطرق معايشهم، وهو تقسيمهم إلى أهل حضر وأهل بدو، ويجب ألا يغيب هذا التقسيم الجوهري عن البال حين البحث في تاريخهم، فأما أهل البدو، وهم الأعراب الموزعون فيما بين المحيط الأطلنطي وخليج فارس، فلهم طرق معايش وعادات وطبائع لا تزال كما كانت عليه منذ آلاف السنين، ويحتمل أن تبقى هكذا إلى الأبد، وهم مقسمون، كما في العصر الإسرائيلي، إلى قبائل ترتحل عن الأماكن المقيمة بها عندما تستنفد مواشيهم ما عليها من الكلأ، وأما أهل الحضر من العرب فهم، على العكس، يتغيرون بتغير الأماكن والشعوب التي يخالطونها.
شكل 2-4: عربي حضري سوري (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف في دمشق).
نامعلوم صفحہ