209

شكل 3-1: داخل حوش في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).

ومثل ذلك شأن محمد الذي عرف كيف يختار من نظم العرب القديمة ما كان يبدو أقومها، فدعمها بنفوذه الديني العظيم، ولكن شريعة محمد لم تنسخ جميع العادات التي قامت مقامها كما أن قانون الألواح الاثني عشر لم يقض على قوانين الرومان القديمة، ومحمد، حين رأى أن يحرم بعض العادات القديمة كالوأد، لم يفعل غير ما يلائم المشاعر المنتشرة بدرجة الكفاية وما تقره هذه المشاعر.

وشريعة محمد، في فصولها غير الدينية، هي خلاصة عادات قديمة إذن، وهي، كالشرائع الأخرى، تكشف بسهولة عن الحالة الاجتماعية للأمة التي ظهرت فيها، ولا كتاب تاريخ يعدل دراسة قوانين إحدى الأمم في بعض الأحيان، فالقوانين تدل، بما تبصر من الاحتياجات، وبما تأمر به وما تنهى عنه، على أحوال المجتمع الذي نشأت فيه كما نبين ذلك غير مرة.

شكل 3-2: كوب عربي قديم من البلور (من تصوير إيبر).

وليس من الضروري أن يعتمد على شريعة إحدى الأمم وحدها في استجلاء حالتها الاجتماعية إذا كان لهذه الأمة آثار أخرى في التاريخ، وهي إذا كانت ذات حضارة وأنسال كان أسهل على الباحث أن يدرس بقايا تلك الحضارة والأنسال للوقوف على حالتها الاجتماعية كما صنعنا ذلك في الفصول السابقة، ونحن حين وصفنا حياة العرب ورجعنا إلى الأزمنة التي نشأت فيها نظمهم أعددنا القارئ، بما فيه الكفاية، ليتمثل النظم التي ندرسها الآن، وليدرك تأثير المشترعين الضئيل في تكوينها.

ومن الضروري أن يبحث على هذا النمط في شؤون الأمم التي يراد وصفها واكتناه نظامها الاجتماعي عربا كانت هذه الأمم أو غيرهم، ونرجو أن يحل الوقت الذي يدرك الفقهاء فيه أهمية هذا، فيصبح علم الحقوق غير قائم على سرد مواد القوانين المعقدة والمناقشات البزنطية. (2) نظم العرب الاجتماعية

خصصت مطالب كثيرة من هذا الكتاب للبحث في أهم نظم العرب الاجتماعية كنظام الأسرة والرق وتعدد الزوجات ... إلخ، فأقتصر هنا على بيان أهم ما جاء في القرآن من الأحكام الاشتراعية.

واختلط شرع العرب المدني بشرعهم الديني اختلاطا وثيقا، وتألف منهما علم قائم على تفسير القرآن.

وما كان القرآن ليبصر جميع ما يحدث في كل يوم، وهو لم يستدرك غير القليل من ذلك، وكان الناس منذ البداءة يرجعون مضطرين إلى النبي وخلفائه من بعده لحل المعضلات الشرعية اليومية، فتألف مما روي من أحكامهم المجموعة منذ القرون الأولى من الهجرة ما سمي بالسنة.

ثم ظهر بعد زمن قصير أن القرآن والحديث غير كافيين، ورئي إتمامهما بوضع دستور مدني وديني مشتق من تفسير القرآن، وقامت بذلك جماعة كبيرة من الأئمة في القرن الأول والقرن الثاني من الهجرة، واعترف بأربعة منهم، وهم: أبو حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل؛ وإلى هؤلاء تنسب المذاهب الأربعة التي يقتدي بها مختلف شعوب الإسلام، فأما المذهب المالكي فاتبع في إفريقية، وأما المذهب الحنفي فاتبع في تركية والهند، وأما المذهب الشافعي فاتبع في مصر وجزيرة العرب مع عمل المحاكم المصرية بالمذهب الحنفي، وأما المذهب الحنبلي فمهجور في أيامنا (!)

نامعلوم صفحہ