ورأى العرب حينما استولوا على مصر أنهم في بلاد تختلف بطرق معايشها وبيئتها عن جزيرة العرب وسورية، وكان كل شيء في مصر، من حضارة وسكان وأرض وجو، جديدا غير مألوف لديهم.
ولا بد لنا من النظر إلى تاريخ مصر وأحوال العيش الخاصة فيها لإدراك أسباب السرعة في استيلاء العرب على مصر، ولفهم سر تأثيرهم فيها.
وترجع بعض الآثار المصرية القديمة إلى ما قبل سبعة آلاف سنة أو ثمانية آلاف سنة، كما دلت عليه المباحث الحديثة، ومهما بعدنا في الرجوع إلى عصور التاريخ وجدنا المصريين أصحاب حضارة راقية.
ونجهل مصدر حضارة قدماء المصريين تماما، وإن كنا نعلم أنها أقدم من جميع الحضارات التي أينعت على شواطئ البحر المتوسط، وأنها قامت على ضفتي النيل قبل أن تقتبس الشعوب الإغريقية منها فنونها ومعتقداتها بقرون كثيرة.
شكل 4-2: نخيل الجيزة (من صورة فوتوغرافية).
وظن العلماء المعاصرون، حين أحيوا بمباحثهم مصر الغابرة، أنها لم تتبدل مع الزمن، ولكن إنعام النظر في آثارها التي تمت في مختلف الأدوار يدل على أنها لم تشذ عن سنة التطور العامة، وإن سارت حضارتها ببطء فيما مضى.
ويظهر أن كل شيء ثابت خالد في معابدها ذات الأبواب الهائلة، وفي أهرامها التي تتحدى الدهر، وفي تحنيطها الذي يزري بسنة الزمن، ونظمها التي تحرم كل تغيير وتبديل.
شكل 4-3: جزيرة الروضة في القاهرة (من تصوير إيبر).
ولم يسهل، والحالة هذه، على الفاتحين أن يؤثروا في أمة تلك حضارتها، فلقد تتابع غزو الأجنبي لمصر فظلت ثابتة على قديمها، واستولى الأغارقة والرومان على مصر من غير أن يؤثروا فيها، ونرى في المباني التي شادها البطالمة والقياصرة في مصر على طراز فن العمارة المصري القديم من الأدلة ما يكفي لإثبات ثبات الحضارة المصرية القديمة بتوالي القرون.
وكانت مصر، حين ظهور العرب على مسرح التاريخ طعمة للغزاة الفاتحين منذ قرون كثيرة، فقد استولى الإسكندر عليها في سنة 332ق.م، وطرد الفرس منها وأقام مدينة الإسكندرية فيها، ثم نادى أحد قواده، بطليموس سوتر، بنفسه ملكا عليها في سنة 304ق.م، وملكت أسرة البطالمة مصر مدة 274 سنة، وكان آخر من تولوا أمور مصر من تلك الأسرة الملكة كليوباترة الشهيرة، ولما هزم أكتاڨيوس كليوپاترة وأنطونيوس في معركة أكسيوم في سنة 30ق. م، أصبحت مصر ولاية رومانية، ولما قسمت الدولة الرومانية على أثر وفاة ثيودوز في سنة 395م كانت مصر من نصيب دولة الشرق الرومانية، وظلت مصر تابعة لهذه الدولة حتى سنة 640م، أي السنة التي فتحها العرب فيها.
نامعلوم صفحہ