حضارة العرب في الأندلس
حضارة العرب في الأندلس: رسائل تاريخية في قالب خيالي بديع
اصناف
142
فقد اتصل بنا أن كافورا قد استبد به وغلبه على أمره؟ فقلت: إذا كان كافور يا مولاي قد استبد بالأمير أنوجور، فإن المصريين قد استبدوا بكافور، فقد أصبح كافور للمصريين لا لنفسه ولا للأمير، فسيرته فينا عادلة رشيدة، وحاله معنا جميلة سديدة؛
143
لأنه يعلم أن الملوك إنما هم خدام الرعية، فكيف يظلمونها ويستجيزون كيدها، ولم يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ على أن كافورا ليس هو وحده الذي ينهض بأعباء الملك، وإنما يشد أزره ويشاركه أمره وزيرنا الأعظم أبو الفضل جعفر بن الفرات وغيره من رجالات الدولة، فقال الأمير: ولكن أليس أليق بكم وأسمى وأنبل أن يلي أمركم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه أمير المؤمنين المعز لدين الله، وأنت تعلم أيها الأخ أن العباسيين قد ضعف أمرهم، وتضعضعت حالهم، والتاث عليهم ملكهم، وانتزى الأعاجم والأتراك على البلاد فاقتطعوا الممالك منهم، وتفردوا بالأمر دونهم.
144
أما عبد الرحمن الناصر؛ صاحب الأندلس، فقد اكتفى بما في يده من الممالك المترامية الأطراف، فلم يبق إلا أن تستظلوا بظل خلفائنا الفاطميين حتى يحموكم ويردوا عنكم طمع الطامعين.
وهنا طار طائر الغضب إلى رأسي فلم ألبث أن اندفعت قائلا: إن مولاي الأمير - حفظه الله - يعلم أنه إذا عد من أظلم الظلم وأنكر النكر أن ينقض جارح من الجوارح على وكر طائر آمن في سربه فيزعجه في سكنه، وينغص عليه عيشته، ويستلبه سراحه وحريته، ويضطره إما إلى الظعن إلى جو غير جوه، أو الإقامة بجواره بين مخلبه وظفره، فإن من الظلم الذي لا ظلم وراءه أن تعدو أمة على أخرى، وحجتها في ذلك أن تحميها من طمع الطامعين، أليس من السفسطة وأقعد ما يقال في باب المغالطة أن يعدو قوم على قوم بحجة أن هذا العدوان إنما هو وقاء لهم من عدوان آخرين؟ ولم لا تبدأ هذه الأمة بنفسها فتريح غيرها من عدائها.
إن مولاي الأمير ليعلم أن حب الوطن من الإيمان، ويقول رسول الله صلوات الله عليه: حب الوطن من طيب المولد، ويقول: لولا حب الوطن لخربت بلاد السوء، على أن فطرة الإنسان معجونة بحب وطنه؛ ولذلك يقول بقراط: يداوى كل عليل بعقاقير أرضه، ويقول جالينوس: يتروح العليل بنسيم بلده كما تتروح الأرض الجدبة ببلل القطر، ويروى أنه لما أسر سابوز ببلد الروم، قالت له بنت الملك - وكان قد مرض وعشقته: ما تشتهي؟ قال: شربة من ماء دجلة، وشمة من تراب اصطخر، فحملا إليه فبرئ وأبل من مرضه، والكريم يا مولاي يحن إلى جنابه كما يحن الأسد إلى غابه، وكفى دلالة على محبة الوطن قول الله جل شأنه:
ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه
الآية، ومن ثم كان ألأم بيت قالته العرب قول القائل:
نامعلوم صفحہ