3
والقضم،
4
فلما قتل معظم القراء يوم اليمامة ذهب عمر بن الخطاب، وله على الإسلام منن ظاهرة، فلقي الخليفة الراشد الأول أبا بكر الصديق وقال له: «إن القتل استحر بالقراء يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب كثير من القرآن، فأرى أن يجمع القرآن.» فأرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي وأعلمه ما قال عمر، فقال: «كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟!» فقال عمر: «هو والله خير.» ولم يزل يراجعه حتى أقنعه، فقال له أبو بكر حينئذ: «تتبع القرآن واجمعه.» فجمعه من الرقاع واللخاف والعسب والقضم وصدور الرجال، ووجد سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري دون سواه، وبقيت الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند ابنته حفصة، فاستنسخها منها عثمان بن عفان، وأمر أربعة من الصحابة - وهم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام - فنسخوها في المصاحف، وقال للرهط من قريش: «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم.» وذلك الاختلاف كان بالطبع لعدم وجود النقط والإعجام في الصحف التي جمعها أبو بكر، وهذه المصاحف الأربعة التي كتبها عثمان سميت بالعثمانية، أرسلها عثمان إلى الأمصار، وآخرها كان موجودا بدمشق، فأحرق مع الجامع الأموي منذ عهد قريب.
هذا وقد كان الخلفاء والملوك والسلاطين وأكابر أرباب الدولة لا ينقطون كتاباتهم، باعتبار أن تواقيعهم ظاهرة الدلالة مفهومة المراد فلا تحتاج إلى ذلك، وكان القوم إذا كتب أحدهم لفاضل منهم وأنقط وأعجم اعتبر المكتوب إليه ذلك خطأ من مقامه، ورأى أن صاحبه يستجهله؛ فأهمل لذلك النقط والإعجام، وكان ذلك الإهمال مدعاة للتصحيف والتحريف، وقد حدثت أمور طريفة من أنواع التصحيف نذكر منها هنا بعض الشيء تفكهة، فمن ذلك ما حكي عن بعض مشايخ المحدثين من المغفلين أنه قال: «عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل، عن الله، عن رجل.» فجعل لله شيخا، ولو قال «عز وجل» لكان صادقا. ومن ذلك ما قيل: «إن النبي
صلى الله عليه وسلم
أعطى الحجام آجرة.» ولو قال «أجرة» لكان صادقا. ومن ذلك الذي قال: «مسح وجهه من القبح ولم يعرف يقرأ زمن الفتح.» ومن ذلك أن رجلا قرأ: «الم ذلك الكتاب لا زيت فيه»، وكان الرجل زياتا. ومنه أن تلميذا قرأ على معلم: «أن السموات والأرض كانتا رتقا»، فقال المعلم: «ويحك! زيفا.» ولا أذكر شيئا من آفات التصحيف، فقد استوفاها الإمام أبو أحمد الحسن العسكري في كتابه التصحيف والتحريف المطبوع في القاهرة حديثا، وإنما أقول إن ذلك وحالة الخط العربي توجب العناية؛ ولذلك أصبحنا والأفضل عندنا هو وضع النقط في مواضعها، وضبط الحروف التي يلتبس بعضها ببعض.
هذا ومما يجب أن يذكر بالإجلال والتكريم، ويعد من أجل حسنات عصر عبد الملك بن مروان الأمير الأموي، نقل الدواوين من اللغات الأعجمية إلى اللغة العربية، وكذلك تبديل المسكوكات الأعجمية بأخرى عربية؛ فإن ذلك النقل وهذا التبديل كانا من أمتن الأركان وأجل الدعائم في تحسين الخطوط العربية وإعلاء شأنها.
نامعلوم صفحہ