وَوُجُود فِي قوته الناطقة إِذا حصل لَهُ الْعقل الْمُسْتَفَاد
فَيصير بِهَذَا الِاعْتِبَار كالدائرة الَّتِي تبدأ من نقطة وتعود إِلَيْهَا لِأَن مبدأه أَن يكون صُورَة مُجَرّدَة فِي الْعقل ونهايته أَن يصير صُورَة مُجَرّدَة فِي الْعقل وَعند ذَلِك يتَصَوَّر الْعقل الجزئي بِصُورَة الْعقل الْكُلِّي وَيصير الْإِنْسَان مَوْضُوعا بِصُورَة الْعَالم يحمل صُورَة فِي ذَاته كَمَا تحمل الهيولى الصُّور
فالإنسان إِذا اعْتبر بِهِ الْمُعْتَبر أغرب الْمَخْلُوقَات صَنْعَة وأكثرها أعجوبة وَلِهَذَا قَالَت الْحُكَمَاء إِن الْغَرَض فِي وجوده كَمَال الْحِكْمَة لِأَنَّهُ انتظم بفطرته طرفِي الْعَالم وَصَارَ وَاسِطَة بَينهمَا وَكَمَال الطَّرفَيْنِ بالواسطة الَّتِي تنظمهما
أَرَادوا بذلك أَن البارئ ﷻ لما خلق جوهرا معقولا وجوهرا محسوسا كَانَ كَمَال الْخلقَة فِي أَن خلق جوهرا ثَالِثا يصل بَين الجوهرين وينظم الطبيعتين فَصَارَ الْإِنْسَان حدا بَين عَالم الْعقل وعالم الْحس وَصَارَ من جِهَة صورته الطبيعية فِي أَعلَى مَرَاتِب الصُّور الطبيعية وَمن جِهَة صورته الْعَقْلِيَّة فِي أدنى مَرَاتِب الصُّور العقليات
1 / 73