120

Guide for the Preacher to the Evidence of Sermons

دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ

اصناف

(حَتَّى يُقِيم بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ) أَيْ مِلَّةَ الْعَرَبِ، وَوَصَفَهَا بِالْعِوَجِ لِمَا دَخَلَ فِيهَا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَالْمُرَاد بِإِقَامَتِهَا أَنْ يَخْرُجَ أَهْلُهَا مِنْ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ ويَنْفِيَ الشِّرْك وَيُثْبِت التَّوْحِيد.
قَوْله: (فَيَفْتَح بِهَا) أَيْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيد (أَعْيُنًا عُمْيًا) أَيْ عَنْ الْحَقّ.
وَقَوْله: (وَقُلُوبًا غُلْفًا) أَي مُغَشَّاة مغطاة. وقيل: لا تفقه.
وقيل: عليها غشاوة. وقيل: عليها غلاف، وهو الغطاء.
صَلّى عليكَ اللهُ يا خيرَ الورَى ... ما حنَّ مشتاقٌ إلي رؤْيَاكَا
وعلى صحابتِك الكرامِ جميعِهِم ... والتابعينَ وكُلِّ مَن وَالاكَا
* قال الحسن البصري ﵀: «إن المؤمنَ رُزِقَ حلاوةً ومهابة».
يعني يُحَب ويُهَاب ويُجَلّ بها، ألبسه الله ﷾ من ثوب الإيمان المقتضي لذلك، ولهذا لم يكن بشرٌ أحبَّ إلى بشرٍ ولا أهيب وأجَلَّ في صدره من رسول الله ﵌ في صدر الصحابة ﵃.
قَالَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ﵁: «مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﵌ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ» (رواه مسلم).
فلما كان رسول الله ﵌ مشتملًا على ما يقتضي أن يحمد مرة بعد مرة سمي محمدًا، وهو اسم موافق لمسماه، ولفظ مطابق لمعناه.
• ذكر إبراهيم خليل الرحمن ﵇:
جعل الله ﷾ إبراهيم الأب الثالث للعالم، فإن أبانا الأول آدم، والأب الثاني نوح، وأهل الأرض كلهم من ذريته، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ (الصافات:٧٧).والأب الثالث إمام الحنفاء الذي اتخذه الله خليلًا، وجعل النبوة والكتاب في ذريته، ذاك خليل الرحمن.
ولم يأمر الله رسوله ﵌ أن يتبع ملة أحد من الأنبياء غيره، فقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين﴾ (النحل:١٢٣)، وأمر أمَّتَه بذلك فقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ (الحج:٧٨).
وكان رسول الله ﵌ يوصي أصحابه ﵃ إذا أصبحوا أن يقولوا: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﵌، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ». (صحيح رواه الدارمي وغيره).
وسماه الله ﷾ إبراهيم: إمامًا وأمة، وقانتًا، وحنيفًا. وقال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:١٢٤)، فأخبر سبحانه أنه جعله إمامًا للناس، وأن الظالم من ذريته لا ينال رتبة الإمامة، والظالم هو المشرك، وأخبر سبحانه أن عهده بالإمامة لا ينال من أشرك به.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (النحل:١٢٠ - ١٢١).
فالأمَّة: هو القدوة المعلم للخير، والقانت: المطيع لله الملازم لطاعته، والحنيف المقبل على الله، المعرض عما سواه.
وكان خير بَنِيه - سيد ولد آدم محمد ﵌ - يُجِلّه ويعظمه ويبجله ويحترمه؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﵌ فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﵌: «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ ﵇». (رواه مسلم).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْ النَّبِيِّ ﵌ قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»، ثُمَّ قَرَأَ ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ» (رواه البخاري). (غُرْلًا):غَيْر مَخْتُونِينَ.

1 / 126