Greatness of the Quran and its Impact on Souls in Light of the Book and Sunnah
عظمة القرآن وتعظيمه وأثره في النفوس في ضوء الكتاب والسنة
ناشر
مطبعة سفير
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
عظمة القرآن
وتعظيمه وأثره في النفوس
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
نامعلوم صفحہ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «عظمة القرآن الكريم، وتعظيمه، وأثره في النفوس» بيّنت فيها بإيجاز: كل ما يحتاجه المسلم من معرفة كتاب الله تعالى، وعظمته، وتعظيمه، وصفاته، وتأثيره في النفوس، والأرواح، والقلوب، وفضائله، وفضائل قراءته، وتعلمه، وتعليمه، ومدارسته، وآداب تلاوته، وتدبّره، والعمل به، وفضل العاملين به، وأخلاقهم، والأمر بتعاهده، ومراجعته، وقرنت ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الله الواحد المنَّان، وما كان من خطأ أو تقصير: فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله ﷺ (١).
_________
(١) اقتداء بما قاله عبد الله بن مسعود ﵁. أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسمِّ صداقًا حتى مات، برقم ٢١١٦، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٢/ ٣٩٧، وانظر: كتاب الروح، لابن القيم، ص ٣٠.
1 / 3
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، رفع الله منزلته، وغفر له، وجزاه عني وعن المسلمين خيرًا.
وقد قسمت البحث إلى عدة مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: مفهوم القرآن العظيم.
المبحث الثاني: القرآن العظيم أنزل في شهر رمضان.
المبحث الثالث: عظمة القرآن الكريم وصفاته.
المبحث الرابع: تأثير القرآن في النفوس والقلوب جاء على أنواع.
المبحث الخامس: تدبر القرآن العظيم.
المبحث السادس: فضل تلاوة القرآن اللفظية.
المبحث السابع: فضل قراءة القرآن في الصلاة.
المبحث الثامن: فضل تعلم القرآن وتعليمه، ومدارسته.
المبحث التاسع: فضل حافظ القرآن العامل به.
المبحث العاشر: فضائل سور معينة مخصصة.
المبحث الحادي عشر: وجوب العمل بالقرآن وبيان فضله.
المبحث الثاني عشر: الأمر بتعاهد القرآن ومراجعته.
المبحث الثالث عشر: آداب تلاوة القرآن العظيم.
المبحث الرابع عشر: أخلاق العامل لله بالقرآن.
1 / 4
المبحث الخامس عشر: أخلاق العامل للدنيا بالقرآن.
المبحث السادس عشر: أخلاق معلم القرآن.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، مقرّبًا لمؤلفه، وقارئه، وناشره من الفردوس الأعلى، أعلى جنات النعيم،، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كلَّ من انتهى إليه؛ إنه سميع مجيب، قريب، خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على خيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وأسوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد ظهر يوم الأربعاء ١٩/ ٦/١٤٢٨هـ.
1 / 5
المبحث الأول: تعريف القرآن العظيم
القرآن كلام الله: حروفه، ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو المعجزة العُظمى، المتعبّد بتلاوته، المبدوء في المصحف بفاتحة الكتاب المختوم بسورة الناس، تكلم الله به، وسمعه جبريل من الله تعالى، وسمعه محمد رسول الله ﷺ من جبريل، وسمعه الصحابة من محمد ﷺ (١)، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين﴾ (٢).
_________
(١) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني، ١/ ١٩، ومباحث في علوم القرآن، للشيخ مناع خليل القطان، ص ١٧ وما بعدها، ودراسات في علوم القرآن، لبكر إسماعيل، ص ١٠.
(٢) سورة الشعراء، الآيات: ١٩٢ - ١٩٥ ..
1 / 6
المبحث الثاني: القرآن العظيم أنزل في شهر رمضان
القرآن أنزله الله تعالى في شهر رمضان، كما قال ﷿: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (١) وكان هذا الإنزال في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان كما قال ﷾: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر﴾ (٢)، وقال ﷿: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين﴾ (٣).
ولأهمية هذا القرآن العظيم والاهتمام به في رمضان وغيره، فقد كان النبي ﷺ يعرضه على جبريل في كل عام مرة في شهر رمضان، وعرضه في العام الذي توفي فيه مرتين (٤).
وهذا يؤكد الأهمية العظمى بالقرآن في رمضان وفي غيره.
_________
(١) سورة البقرة، الآية:١٨٥.
(٢) سورة القدر، الآية: ١.
(٣) سورة الدخان، الآية: ٣.
(٤) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي ﷺ، برقم ٤٩٩٧، ورقم ٤٩٩٨.
1 / 7
المبحث الثالث: عظمة القرآن الكريم وصفاته
له صفات عظيمة يعجز البشر عن حصرها، ولكن منها الصفات الآتية:
١ - كتاب عام للعالمين: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (١).
٢ - المعجزة العظمى، الذي تحدَّى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو سورة واحدة، فعجزوا مجتمعين ومتفرقين عن الإتيان بشيء من ذلك، قال الله ﷿: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (٢)، وقوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُون* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِين﴾ (٣)،وبعد هذا التحدّي عجزوا أن يأتوا بمثله، فمدَّ لهم في الحبل وتحدَّاهم بعشر سور مثله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾ (٤) فعجزوا، فأرخى لهم في الحبل، وتحدّاهم بسورة مثله، قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾ (٥).
_________
(١) سورة الفرقان، الآية: ١.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٨٨.
(٣) سورة الطور، الآيتان: ٣٣، ٣٤.
(٤) سورة هود، الآية: ١٣.
(٥) سورة يونس، الآية: ٣٨.
1 / 8
وقد سمع هذا التحدِّي من سمع القرآن وعرفه الخاص والعام، ولم يتقدم أحد على أن يأتي بسورة مثله من حين بعث النبي ﷺ إلى هذا اليوم (١) وإلى قيام الساعة، والقرآن يشتمل على آلاف المعجزات؛ لأنه مائة وأربع عشرة سورة، وقد وقع التحدي بسورة واحدة، وأقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات قصار، والقرآن يزيد بالاتفاق على ستة آلاف آية ومائتي آية، ومقدار سورة الكوثر من آيات أو آية طويلة على ترتيب كلماتها له حكم السورة الواحدة، ويقع بذلك التحدي والإعجاز؛ ولهذا كان القرآن يُغني عن جميع المعجزات الحسِّية والمعنوية؛ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإعجازه في وجوه كثيرة: الإعجاز البلاغي والبياني، والإخبار عن الغيوب بأنواعها، والإعجاز التشريعي، والإعجاز العلمي الحديث؛ ولهذا قال النبي ﷺ: «ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات على ما مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أُتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» (٢).
٣ - هدى للمتقين: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين﴾ (٣).
٤ - هدى للناس جميعًا: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
_________
(١) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، ٤/ ٧١ - ٧٧، والبداية والنهاية لابن كثير، ٦/ ٩٥.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، برقم ٤٩٨١، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس، برقم ١٥٢.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١ - ٢.
1 / 9
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (١).
٥ - يهدي للتي هي أقوم: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (٢).
٦ - روحٌ وحياةٌ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ﴾ (٣).
٧ - نور: يهدي به الله من يشاء من عباده: ﴿وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا﴾ (٤)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِالله وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ (٥).
٨ - فرقان: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (٦).
٩ - شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين﴾ (٧)، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ١٨٥.
(٢) سورة الإسراء، الآيتان: ٩ - ١٠.
(٣) سورة الشورى، الآية: ٥٢.
(٤) سورة الشورى، الآية: ٥٢.
(٥) سورة النساء الآيتان: ١٧٤ - ١٧٥.
(٦) سورة الفرقان، الآية: ١.
(٧) سورة يونس، الآية: ٥٧.
1 / 10
يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾ (١)، ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد﴾ (٢).
١٠ - القرآن تبيانٌ لكل شيء: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين﴾ (٣).
١١ - لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد﴾ (٤).
١٢ - تكفَّل الله بحفظه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾ (٥).
١٣ - كتابٌ واضحٌ مبين: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين * يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم﴾ (٦).
١٤ - أُحْكِمَتْ آياته: ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير﴾ (٧).
١٥ - فُصِّلت آياته: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون * بَشِيرًا وَنَذِيرًا
_________
(١) سورة الإسراء، الآية:٨٢.
(٢) سورة فصلت، الآية: ٤٤.
(٣) سورة النحل، الآية: ٨٩.
(٤) سورة فصلت، الآية: ١.
(٥) سورة الحجر، الآية: ٩.
(٦) سورة المائدة، الآية: ١٦.
(٧) سورة هود، الآية: ١.
1 / 11
فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون﴾ (١).
١٦ - تذكرةٌ لمن يخشى: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى * تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى﴾ (٢).
١٧ - ما تَنَزَّلت به الشياطين: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُون * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُون﴾ (٣).
١٨ - آياتٌ بيِّناتٌ في صدور أهل العلم: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ (٤).
١٩ - ذِكْرٌ وقرآنٌ مبين: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِين * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِين﴾ (٥).
٢٠ - أحسن الحديث: ﴿الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد﴾ (٦).
٢١ - عليٌّ حكيم: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم﴾ (٧).
_________
(١) فصلت، الآيات: ٢ - ٤.
(٢) سورة طه، الآيات: ٢ - ٤.
(٣) سورة الشعراء، الآيات: ٢٠٩ - ٢١٢.
(٤) سورة العنكبوت، الآية: ٤٩.
(٥) سورة يس، الآيتان: ٦٩ - ٧٠.
(٦) سورة الزمر، الآية: ٢٣.
(٧) سورة الزخرف، الآية: ٤.
1 / 12
٢٢ - بصائرُ للناس: ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُون﴾ (١).
٢٣ - قرآنٌ مجيدٌ: ﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد﴾ «٢).
٢٤ - قرآنٌ كريمٌ: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيم*فِي كِتَابٍ مَّكْنُون * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون*تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين﴾ (٣).
٢٥ - لو أنزله الله على الجبال لخشعت، وتصدَّعت من خشيته تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾ (٤).
٢٦ - يهدي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيم، ومصدِّقٌ لما بين يديه: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم﴾ (٥).
٢٧ - يهدي إلى الرُّشد: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾ (٦).
٢٨ - في لوحٍ محفوظ: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظ﴾ (٧).
٢٩ - القرآن وصيَّة رسول الله ﷺ -، فقد أوصى به في عدة أحاديث منها الأحاديث الآتية:
_________
(١) سورة الجاثية، الآية: ٢٠.
(٢) سورة ق، الآية: ٢.
(٣) سورة الواقعة، الآيات: ٧٧ - ٨٠.
(٤) سورة الحشر، الآية: ٢١.
(٥) سورة الأحقاف، الآية: ٣٠.
(٦) سورة الجن، الآيتان: ١ - ٢.
(٧) سورة البروج، الآيتان: ٢١ - ٢٢.
1 / 13
الحديث الأول: حديث عبد الله بن أبي أوفى ﵁،فقد سُئل: هل أوصى رسول لله ﷺ؛قال: «أوصى بكتاب الله ﷿» (١).
والمراد بالوصية بكتاب الله: حفظه حِسًَّا ومعنىً، فيُكرم، ويُصان، ويُتّبع ما فيه، فَيُعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته، وتعلُّمه، وتعليمه، ونحو ذلك (٢).
الحديث الثاني: حديث جابر ﵄ في صفة حجة النبي ﷺ، وفيه أن النبي ﷺ قال في خطبته في عرفات: «... وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فماذا أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ...» (٣).
الحديث الثالث: حديث ابن عباس ﵄: أن رسول الله ﷺ خطب الناس في حجة الوداع فقال: «إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله وسنة نبيه ...» (٤).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم ٢٧٤٠، ومسلم، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، برقم ١٦٣٤.
(٢) فتح الباري، لابن حجر، ٩/ ٦٧.
(٣) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ، برقم ١٢١٨.
(٤) الحاكم، ١/ ٩٣، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب،
١/ ١٢٤، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم ٤٧٢.
1 / 14
الحديث الرابع: حديث زيد بن أرقم ﵁ أن النبي ﷺ قال لهم في غدير خم [بين مكة والمدينة] (١)، وفيه: «... وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور [هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة] فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحث على كتاب الله، ورغَّب فيه ...» (٢).
الحديث الخامس: حديث أبي ذر ﵁، قال: قلت: يا رسول الله أوصني قال: «أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمر كلِّه»، (قلت: يا رسول الله زدني، قال: «عليك بتلاوة القرآن وذكر الله؛ فإنه نورٌ لك في الأرض وذخرٌ لك في السماء» (٣).
فقد جاءت هذه الأحاديث تدل على أن رسول الله ﷺ أوصى بكتاب الله تعالى في عِدَّةِ مواقف: في خطبة عرفات، وفي خطبة أيام منى، وفي خطبته في غدير خم بين مكة والمدينة، وعند موته ﷺ، وهذا يدل على أهمية كتاب الله ﷿.
٣٠ - والقرآن العظيم: من ابتغى الهُدى من غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يشبع
_________
(١) اسم لفيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير يقال له: غدير خم. [شرح النووي على صحيح مسلم].
(٢) مسلم، كتاب فضائل الصحابة ﵃، باب من فضائل علي بن أبي طالب ﵁، برقم ٢٤٠٨.
(٣) ابن حبان في صحيحه مطولًا، برقم ٣٦١، ٢/ ٧٨، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، ٢/ ١٦٤، برقم ١٤٢٢.
1 / 15
منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه، من عَلِم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم (١).
_________
(١) انظر: الترمذي، برقم ٢٩٠٦، وكل ما جاء في هذا الأثر فمعناه صحيح حتى ولو لم يأتِ في حديث، لكن المعنى تدل عليه عموم الأدلة من الكتاب والسنة.
1 / 16
المبحث الرابع: تأثير القرآن في النفوس والقلوب جاء على أنواع:
النوع الأول: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء في القرآن الكريم
القرآن العظيم مُؤثِّر في القلوب والنفوس والأرواح؛ لأنه كلام العليم الخبير بما يصلح هذه القلوب والنفوس في الدنيا والآخرة، ومن هذا التأثير ما يأتي:
١ - تأثيره على علماء أهل الكتاب وغيرهم من أهل العقول، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين﴾ (١).
٢ - الذين أوتوا العلم من قبله يتأثَّرون به، قال الله تعالى: ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ (٢).
٣ - الذين أنعم الله عليهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرُّوا سُجَّدًا وبُكِيّاُ: قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ (٣).
٤ - من علامات الإيمان التأثر بالقرآن وزيادة الإيمان، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
_________
(١) سورة المائدة، الآية: ٨٣.
(٢) سورة الإسراء، الآيات: ١٠٧ - ١٠٩.
(٣) سورة مريم، الآية: ٥٨.
1 / 17
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون﴾ (١).
٥ - المُؤمنون الصادقون في إيمانهم، الخائفون من ربهم تقشَعِرُّ جلودهم عند قراءة القرآن، قال سبحانه: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهُ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد﴾ (٢).
٦ - الصادقون مع الله تخشع قلوبهم لذكر الله، قال ﷿: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون﴾ (٣). وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: «مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ﴾ إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ» (٤)، وثبت أيضًا من حديث عامر بن عبد الله ابن الزبير ﵄ أن أباه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن أنزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين (٥).
النوع الثاني: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء ذلك في سنة النبي ﷺ -:
وجاءت الأحاديث تدل على خشوع النبي ﷺ وتأثُّره بقراءة القرآن
_________
(١) سورة الأنفال، الآية: ٢.
(٢) سورة الزمر، الآية: ٢٣.
(٣) سورة الحديد، الآية: ١٦.
(٤) مسلم، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله﴾، برقم: ٣٠٢٧.
(٥) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء، برقم ٤١٩٢، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٣/ ٣٦٩.
1 / 18
الكريم ومن ذلك:
١ - أَمَرَ النبيُّ ﷺ أن يُقرأ عليه القرآن فبكى، فعن عبد الله بن مسعود ﵁، قال: قال لي رسول الله ﷺ: «اقرأ عليَّ القرآن»،قال: فقلت: يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: «إني أشتهي أن أسمعه من غيري»، وفي لفظ للبخاري: «فإني أحب أن أسمعه من غيري»، فقرأت عليه النساء حتى إذا بلغت: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا﴾ (١)، وفي لفظ للبخاري: «فقال حسبك الآن»، فرفعت رأسي، أو غمزني رجلٌ فرفعت رأسي، فرأيت دموعه تسيل»، وفي لفظ للبخاري: «فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان» (٢).
٢ - وعن أنس بن مالك ﵁:أن رسول الله ﷺ قال لأبيّ بن كعب: «إن الله ﷿ أمرني أن أقرأ عليك»، قال: آلله سمَّاني لك؟ قال: «الله سمَّاك لي»، قال فجعل أُبيّ يبكي»، وفي رواية: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك:
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (٣) قال: وسمَّاني لك؟ قال: «نعم» قال: فبكى (٤).
_________
(١) سورة النساء الآية: ٤١.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، باب ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا﴾، برقم ٤٥٨٢، وكتاب فضائل القرآن، باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره، برقم ٥٠٤٩، وباب قول المقرئ للقارئ: حسبك، برقم ٥٠٥٠، وباب البكاء عند قراءة القرآن، برقم ٥٠٥٥، ورقم ٥٠٥٦، مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر، برقم ٨٠٠.
(٣) سورة البينة، الآية: ١.
(٤) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحُذَّاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، برقم ٢٤٥ - (٧٩٩) و٢٤٦ - (٧٩٩).
1 / 19
٣ - وعن عائشة ﵂ في حديث طويل ذكرت فيه صلاة النبي ﷺ بالليل وأنه بكى مرات، قالت: «فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؛ لقد نزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ...﴾ (١) الآية كلها (٢).
٤ - عن عبد الله بن عمرو ﵄: أن النبي ﷺ تلا قول الله ﷿ في إبراهيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ (٣) الآية، وقال عيسى ﵇: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾ (٤) الآية. فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي»، وبكى فقال الله ﷿: «يا جبريل اذهب إلى محمد وربُّك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل ﵇ فسأله، فأخبره رسول الله ﷺ بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك» (٥).
_________
(١) سورة آل عمران، الآية ١٩٠.
(٢) ابن حبان في صحيحه، برقم ٦٢٠، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان: «إسناده صحيح على شرط مسلم»، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم ٨٦: «وهذا إ سناد جيد».
(٣) سورة إبراهيم، الآية: ٣٦.
(٤) سورة المائدة، الآية: ١١٨.
(٥) مسلم، كتاب الإيمان، باب دعاء النبي ﷺ لأمته، وبكائه شفقة عليهم، برقم ٢٠٢.
1 / 20
٥ - وعن أبي ذر ﵁،قال: قام النبي ﷺ بآية حتى أصبح يردِّدها، والآية: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾ (١) (٢)، ولم يكن النبي ﷺ يبكي بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه قهقهةً، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملان، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه: تارة رحمة للميت، وتارة خوفًا على أمَّتِهِ وشفقة عليها، وتارة خشيةً لله تعالى، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاءُ اشتياقٍ ومحبةٍ وإجلالٍ (٣) (٤).
النوع الثالث: تأثير القرآن الكريم على القلوب والأرواح والنفوس كما جاء في الآثار عن السلف الصالح:
١ - ثبت عن جبير بن مطعم ﵁:أنه قال: «سمعت النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطُّور، فلمَّا بلغ هذه الآية: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون* أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُون * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون﴾ (٥) كاد قلبي أن يطير [وذلك أول ما وقر الإيمان في
_________
(١) سورة المائدة، الآية: ١١٨.
(٢) أخرجه: النسائي، كتاب الافتتاح، باب ترديد الآية، برقم ١٠١٠، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل، برقم ١٣٥٠، وأحمد، ١/ ٢٤١، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة، ١/ ٢٤٢، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، ١/ ٤٠١.
(٣) زاد المعاد لابن القيم، ١/ ١٨٣.
(٤) وانظر المواضع التي بكى فيها رسول الله ﷺ في كتاب رحمة للعالمين للمؤلف، ص٨٢ - ٩٣، فقد جمعت مما صح من بكائه ﷺ ستة عشر موضعًا وغيرها كثير.
(٥) سورة الطور، الآيات: ٣٥ - ٣٧.
1 / 21