ثبت الكتب
الغناء للأطفال عند العرب
ثبت الكتب
الغناء للأطفال عند العرب
الغناء للأطفال عند العرب
الغناء للأطفال عند العرب
تأليف
أحمد عيسى
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه العون
نامعلوم صفحہ
ترقيص الصبيان بالغناء والكلام الموزون من طبائع الإنسان أنى وجد، حتى لتجدنه في الحيوان الأعجم؛ إذ تراه يهارش ولده ويداعبه في صوت لين وحنو كحنو الإنسان على ولده، والترقيص للإنسان من أقوم الوسائل لتربية الطفل وتنشئته، وغرس جميل الخصال وحميد الفعال في ذهنه قبل أن يشتد، حتى تتمكن من أخلاقه وتنقش في مخيلته نقش القلم في الحجر؛ فيشب الطفل وقد انطبعت في جسده وامتزجت بلحمه ودمه فلا يمكن بعد ذلك محوها من ذهنه، وقد كان للعرب نصيب وافر من ذلك الكلام اشتهر عنهم، وحل بينهم أعلى مكان من مجالسهم ومنتدياتهم ومنازلهم الخاصة؛ وكان من الخصال الحميدة التي يتوخونها لتربية الطفل وتهذيبه وغرس بذورها في عقولهم الفخر والشجاعة والإقدام والحماسة والمباهاة والكرم وإغاثة الملهوف، وغير ذلك من الخصال الحسنة، ثم توسعوا في ذلك واتخذوا من ترقيص الطفل بالمقاطيع الشعرية بث أغراض أخرى تلوح لهم يقصدون بها مآرب يسترونها به كالمدح واللوم والعتاب والتبكيت والتقريع والاعتذار والتعريض والذم ... إلخ، حتى لا تجبه أقوالهم منازعيهم رأسا، فيستترون وراء الترقيص ويعتذرون به، ولهذه الأقوال من حسن الأداء وجمال التركيب وسبك الألفاظ وسمو الفكر ما جعل اللغويين يستشهدون بها على فصاحة الحروف ونقاوة اللغة.
وقد كان لي من الحظ أن عثرت في أثناء مطالعاتي على الكثير من تلك المقاطيع فاهتممت بتقييده وشرحه وتفسير ألفاظه وترجمة أصحابه؛ لعلو قدرهم في بيئاتهم، حتى يكون قدوة لنا في عصرنا ننشئ به أطفالنا ونجني من ورائه خير ما يجني كل من أحسن الغرس.
وقصدت بتأليف هذا الكتاب إلى خدمة الأمم العربية عامة والأمة المصرية منها خاصة؛ لاستصلاح بعض الأخلاق التي طرأ عليها شيء كثير من التغيير من فقد الرجولة وقلة الشجاعة وضياع النجدة وضعف الإقدام والتغالي في التجمل والتزين وهما من خلال الأنوثة.
وهذا كتاب الترقيص الذي أقدمه لشباب الأمة هو على ما تحققت الثاني من نوعه في الأدب العربي؛ فإنه لم يؤلف في الترقيص سوى كتاب واحد في أواخر القرن الرابع الهجري، ثم انقطع التأليف فيه إلى هذا التاريخ، وإنما ذكرت مقاطيع متفرقة في شتى الكتب وأكثرها مقتبس من هذا الكتاب.
والكتاب الأول كتاب الترقيص لمحمد بن المعلى الأزدي النحوي اللغوي أبو عبد الله، قال في كشف الظنون: «كتاب الترقيص لمحمد بن المعلى وذكره البغدادي في خزانة الأدب لمناسبة بيت للترقيص قال: رواه الأزدي في كتاب الترقيص، وأشار الثعالبي كذلك في كتابه ثمار القلوب إلى كتاب الترقيص.» وجاء في بغية الوعاة: «محمد بن المعلى بن عبد الله الأسدي.» وقال ياقوت في معجم الأدباء: «أبو عبد الله محمد بن المعلى الأزدي النحوي اللغوي.» ولم يأت في كشف الظنون ولا في خزانة الأدب ولا في بغية الوعاة ولا في معجم الأدباء ذكر للزمن الذي كان يعيش فيه محمد بن المعلى، وإنما جاء في ابن خلكان في ترجمة المبرد ما يأتي: «وقريب من هذه الأبيات ما أنشده أبو عبد الله الحسين بن علي اللغوي البصري النمري لما مات أبو عبد الله محمد بن المعلى الأزدي وكان بينهما تنافس وهي:
مضى الأزدي والنمري يمضي
وبعض الكل مقرون ببعض ... إلخ.»
وبالرجوع إلى بغية الوعاة نجد أن الحسين بن علي أبا عبد الله النمري كان بالبصرة ومات سنة 385ه، ولما كان هو الذي رثى محمد بن المعلى عند وفاته، وكان بينهما تنافس في الحياة، والتنافس بين اثنين يكاد يدل على تقارب الأسنان فتكون وفاة محمد بن المعلى قد حصلت قبل سنة 385ه بقليل، فهو من أهل القرن الرابع الهجري.
وقد جمعت هذا الكتاب بعد مطالعات طويلة، والآن أقدمه هدية للأمهات لا أبغي من ورائها غير خير الأمة، والله يهدي إلى سبيل الرشاد.
الدكتور أحمد عيسى
نامعلوم صفحہ
شارع البحر الأعمى الغربي
في يوم السبت غرة رمضان سنة 1353ه
الموافق 8 ديسمبر سنة 1934
ثبت الكتب
هذا ثبت الكتب التي اقتبسنا منها مواد هذا الكتيب: (1)
كتاب الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري طبع ليون سنة 1898م. (2)
كتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب أو معجم الأدباء لياقوت الرومي طبع هندية بالقاهرة سنة 1908م وما يليها. (3)
كتاب الاشتقاق للشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي طبع جوتنجن سنة1854م. (4)
كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد الكتاني المعروف بابن حجر العسقلاني طبع القاهرة سنة 1323ه. (5)
كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني طبع بولاق. (6)
نامعلوم صفحہ
كتاب الأمالي لأبي علي القالي طبع بولاق سنة 1324ه. (7)
كتاب أنباء نجباء الأبناء لمحمد بن ظفر الصقلي المتوفى سنة 567 طبع مصر. (8)
كتاب إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون لعلي بن برهان الحلبي طبع بولاق سنة 1292ه. (9)
كتاب بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين السيوطي طبع مصر سنة 1326ه. (10)
كتاب البلدان لابن الفقيه الهمداني طبع ليدن. (11)
كتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب للسيد محمد شكري الألوسي طبع مصر سنة 1343ه. (12)
كتاب البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ طبع مصر سنة 1332ه. (13)
كتاب تاج العروس من شرح القاموس للسيد محمد مرتضى الزبيدي طبع مصر سنة 1307ه. (14)
كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي طبع مصر سنة 1349ه وما بعدها. (15)
كتاب تهذيب الأسماء واللغات لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي طبع جوتنجن سنة 1842م. (16)
نامعلوم صفحہ
كتاب الدراري في الذراري للشيخ كمال الدين عمر بن هبة الله بن العديم الحلبي طبع اسطنبول سنة 1298ه. (17)
كتاب سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون لجمال الدين محمد بن نباتة المصري طبع بولاق سنة 1278ه. (18)
كتاب السيرة النبوية لأبي محمد عبد الملك بن هشام طبع جوتنجن سنة 1859م. (19)
كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقدي طبع ليدن سنة 1904-1921م. (20)
كتاب العقد الفريد لشهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه طبع بولاق. (21)
كتاب عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي مخطوط. (22)
كتاب الفهرست لمحمد بن إسحاق المعروف بابن النديم الوراق طبع ليبزج سنة 1872م. (23)
كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري طبع ليدن سنة 1869م. (24)
كتاب المعارف لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب الدينوري طبع مصر. (25)
كتاب لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري طبع بولاق سنة 1303ه. (26)
نامعلوم صفحہ
كتاب محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للراغب الأصفهاني طبع مصر سنة 1326ه. (27)
كتاب معجم البلدان للشيخ الإمام أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي طبع ليبزج سنة 1866م وما بعدها ... إلخ.
الغناء للأطفال عند العرب
الدعاء
عن حليمة مرضعة النبي
صلى الله عليه وسلم
أنها كانت بعد رجوعها بسيدنا محمد من مكة لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا عنها، فغفلت عنه يوما في الظهيرة فخرجت تطلبه فوجدته مع أخته من الرضاعة وهي الشيماء وكانت تحضنه
1
مع أمها؛ ولذلك تدعى أم النبي أيضا وكانت ترقصه بقولها:
2
نامعلوم صفحہ
هذا أخ لي لم تلده أمي
وليس من نسل أبي وعمي
فأنمه اللهم فيما تنمي
فقالت حليمة: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع.
التفسير:
قوله: «فأنمه»: النماء الزيادة، نمى ينمي نميا ونميا ونماء؛ زاد وكثر وأنماه الله إنماء.
حليمة
هي حليمة - رضي الله عنها - بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر، واسم أبيه - أي زوج مرضعته حليمة - الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن،
3
وإخوة النبي
نامعلوم صفحہ
صلى الله عليه وسلم
من الرضاعة - أي أولاد حليمة - هم: عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وجذامة بنت الحارث، وهي الشيماء. •••
قال أبو علي القالي: «حدثنا أبو بكر قال: حدثني عمي عن أبيه عن هشام بن محمد قال حدثني رافع بن بكار ونوح بن دراج قالا: دخل النبي
صلى الله عليه وسلم
على عمه الزبير بن عبد المطلب وهو صبي فأقعده في حجره وقال:
4
محمد بن عبدم
عشت بعيش أنعم
ودولة ومغنم
في فرع عز أسنم
نامعلوم صفحہ
مكرم معظم
دام سجيس الأزلم»
تفسير الكلمات : «عبدم»: منحوتة من عبد المطلب مثل عبشم في عبد شمس، وعبدر في عبد الدار، وعبقس في عبد القيس، فعمه الزبير ينسبه
صلى الله عليه وسلم
إلى جده عبد المطلب، وهو أبو الزبير، أو تكون الميم زائدة للوصل لا فائدة لها أكثر من ذلك. «أنعم»: من النعمة وهي المسرة والفرح والترفه. «دولة»: الدولة والدولة؛ العقبة في المال والحرب سواء. «مغنم»: الغنم، والغنيمة: الفيء وهو كذلك ما أصيب من أموال الحرب وأوجف
5
عليه المسلمون الخيل والركاب. «فرع عز»: فرع كل شيء أعلاه، والعز: خلاف الذل، والعز في الأصل: القوة والشدة والغلبة والرفعة. «أسنم»: سنام كل شيء أعلاه أي أعلى العز. «سجيس الأزلم»: معناه أبد الدهر، وسجيس بمعنى امتداد، فيقال: سجيس الليالي.
محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو قريش، ابن مالك بن النضر واسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هذا هو المتفق على صحته بإجماع الأمة، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي إلى آخر نسب الرسول، وللنبي محمد
نامعلوم صفحہ
صلى الله عليه وسلم
أسماء كثيرة: منها محمد وأحمد والحاشر والعاقب والمقفي والماحي وخاتم الأنبياء ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة والفاتح وطه ويس وعبد الله ... إلخ، تزوج والد النبي وهو عبد الله بن عبد المطلب، واسمه شيبة الحمد، ابن هاشم، آمنة بنت وهب بن عبد مناف، فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بابنه عبد الله فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله فأقام عبد الله عندها ثلاثا، وكانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها أقام عندها ثلاث سنين، فحملت آمنة بنت وهب برسول الله، وكانت تقول: ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلة
6
كما تجد النساء وذلك في يوم الإثنين، وخرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام في عير من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجارتهم، ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض، فقال: أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض، فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده وهو الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي بن النجار، فرجع إلى أبيه فأخبره فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجدا شديدا، ورسول الله يومئذ حمل على الصحيح، وقيل: ابن شهرين، وقيل: غير ذلك، ولعبد الله بن عبد المطلب والد الرسول يوم توفي خمس وعشرون سنة، وترك أيمن واسمها بركة، وخمسة أجمال أوارك؛ أي تأكل الأراك،
7
وقطعة غنم، فورث ذلك رسول الله.
ولد النبي
صلى الله عليه وسلم
يوم الإثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة، وقيل غير ذلك، وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك في النصف من المحرم، فبين الفيل ومولد رسول الله خمس وخمسون ليلة، وختن عبد المطلب حفيده يوم سابعه وسماه محمدا.
وأول من أرضع النبي
نامعلوم صفحہ
صلى الله عليه وسلم
ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له: مسروح، فأرضعته أياما قبل أن تقدم حليمة، وأرضعت أبا سلمة بن عبد الأسد معه، فكان أخاه من الرضاعة، وقدم مكة عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع، فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث السعدية، وكان معها زوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة، وولده منها: عبد الله بن الحارث، والشيماء وهي التي كانت تحضن رسول الله مع أمها، فعرض رسول الله على حليمة، فجعلت تقول: يتيم ولا مال له، وما عست أم أن تفعل، فخرج النسوة وخلفنها، فقالت حليمة لزوجها: أما ترى قد خرج صواحبي وليس بمكة مسترضع إلا هذا الغلام اليتيم، فلو أخذناه فإني أكره أن أرجع إلى بلادنا ولم نأخذ شيئا، فقال لها زوجها: خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا، فجاءت إلى أمه فأخذته منها فوضعته في حجرها فأقبل عليه ثدياها حتى تقطرا لبنا فشرب رسول الله حتى روي، وشرب أخوه، ولقد كان أخوه لا ينام من الغوث،
8
فطابت نفس حليمة وسرت بذلك، ثم خرجت به إلى بلادها وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، فمكث عندها سنتين حتى فطم وكأنه ابن أربع سنين، فقدموا به على أمه زائرين لها، فأخبرتها حليمة خبره، وما رأت من بركته، فقالت أمه لحليمة: ارجعي بابني فإني أخاف عليه وباء مكة، فرجعت به حليمة إلى ديارها فكان عندها سنة أو نحوها لا تدعه يذهب مكانا بعيدا، ثم ذهبت به إلى أمه لترده وهو ابن خمس سنين، وفي تلك السنة من مولده حينما قدمت به حليمة إلى عبد المطلب قدم مكة كاهن فنظر إليه مع عبد المطلب وقال: يا معشر قريش، اقتلوا هذا الصبي فإنه يفرقكم
9
ويقتلكم، فهرب به عبد المطلب، فلم تزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن حذرهم منه، ولما بلغ رسول الله ست سنين خرجت به أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه، وهم على بعيرين فنزلت به في دار النابغة، فأقامت به عندهم شهرا، فكان رسول الله يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك، وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه، قالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته، فوعيت ذلك من كلامه، ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانوا بالأبواء - مكان بين مكة والمدينة - توفيت أمه آمنة بنت وهب وقبرها هناك، فرجعت به أم أيمن إلى مكة، ولما مر رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في عمرة الحديبية بالأبواء قال: «إن الله تعالى قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه.» فأتاه رسول الله فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكائه، فقيل لرسول الله، فقال: «أدركتني رحمتها فبكيت.»
ولما توفيت أمه
صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ
آمنة بنت وهب قبضه جده عبد المطلب وضمه إليه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده، وقال قوم لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم الذي في المقام منه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به، وقال عبد المطلب لأم أيمن وكانت تحضن رسول الله: لا تغفلي عن ابني؛ فإني وجدته مع غلمان قريبا من السدرة،
10
وإن أهل الكتاب ليزعمون أن ابني نبي هذه الأمة، وفي السنة السابعة من مولده خرج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن في أرض اليمن، فأنبأه بنبيء يبعث من عقبه ورسول من فرعه اسمه محمد وأحمد، وحذره من أعدائه، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله وحياطته، ومات عبد المطلب وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل غير ذلك، وكان عمر رسول الله ثمان سنين، فلما توفي عبد المطلب ضمه أبو طالب، وكان أبو طالب فقيرا لا مال له، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله شبعوا، فكان إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم قال: كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول الله فيأكل معهم فيفضل من طعامهم، وفي السنة التاسعة من عمره خرج أبو طالب برسول الله إلى بصرى من أرض الشام، وفي سنة عشر من مولده كان الفجار الأول، وإنما سمي الفجار؛ لما استحلوا فيه من المحارم، ومن حملهم السلاح في الأشهر الحرام، وكان الحرب فيه ثلاثة أيام، ولما صار له اثنتا عشرة سنة وشهران ارتحل به أبو طالب إلى الشام، فنزلوا بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة وكان ذا علم في النصرانية، فنزلوا منزلا قريبا من صومعته، ثم دعاهم إلى طعام فجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، وقال لأبي طالب: ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود؛ فإن لابن أخيك شأنا عظيما، فرجع به أبو طالب بعد ما فرغوا من تجارتهم، وما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه.
وفي سنة أربع عشرة من مولده كان حرب الفجار الثاني، وكان بين هوازن وقريش، وحضره رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وقال: «كنت أنبل
11
على أعمامي.»
وفي سنة خمس عشرة من مولده كان قيام قس بن ساعدة الإيادي بسوق عكاظ خطيبا، فلما وفد إياد على رسول الله قال لهم: ما فعل قس بن ساعدة؟ قالوا: مات، قال: كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل أروق
12
يتكلم بكلام له حلاوة وما أجدني أحفظه، فقال رجل من القوم: أنا أحفظه، سمعته يقول: أيها الناس، احفظوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحار تزخر، ونجوم تزهر، وضوء وظلام، وبر وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ وآل قس ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه وأدرككم أمانه، فطوبى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن خالفه، ثم أنشأ يقول شعرا، فقال النبي
نامعلوم صفحہ
صلى الله عليه وسلم : «يرحم الله قسا إني لأرجو أن يبعثه الله تعالى يوم القيامة أمة وحده.»
وفي سنة تسع عشرة من مولده كان حلف الفضول وحضره رسول الله، وسببه أن قريشا كانت تتظالم في الحرم، فاجتمعت قريش في دار عبد الله بن جدعان، وتحالفوا على رد المظالم بمكة، وألا يظلم أحد إلا منعوه، قال رسول الله: «لقد شهدت حلفا في دار جدعان ما أحب أن لي بها حمر النعم،
13
ولو دعيت به لأجبت.» فقال قوم من قريش: هذا والله فضل من الحلف فسمي: «حلف الفضول».
وفي سنة خمس وعشرين من مولده كان خروجه في تجارة خديجة بنت خويلد بن أسد إلى الشام وتزوجه بها، فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به العير،
14
وسار حتى وصل بصرى من أرض الشام ، فباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون ورجعوا، فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك، وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة النفس من أوسط
15
نساء قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا، فرغبت في أن تتزوج منه؛ فقدم رسول الله ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب وغيرهم من عمومته حتى دخلوا على خويلد بن أسد، وقيل: عمرو بن أسد، وإن أباها خويلد مات قبل الفجار، فخطبها إليه فزوجها منه وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ ابنة أربعين سنة، فولدت له أولاده كلهم إلا إبراهيم، وهم أربع بنات بلا خلاف: زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى وهو ابن خالتها وأمه هالة بنت خويلد، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان؛ رقية أولا ثم أم كلثوم وتوفيتا عنده، وتوفيت رقية يوم بدر في رمضان سنة اثنتين من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم في شعبان سنة تسع من الهجرة. والبنون من أولاده ثلاثة على الصحيح: القاسم وبه كان يكنى، مات في الجاهلية، وعبد الله وسمي الطيب والطاهر مات في الجاهلية، والثالث إبراهيم ولد بالمدينة سنة ثمان ومات بها سنة عشر وهو ابن سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر. وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن، وأول من ولد له القاسم ثم زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، وكلهم توفوا قبله إلا فاطمة فإنها عاشت بعده ستة أشهر، وكان الرسول بين خديجة والنبي
صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ
في الزواج نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية، أسلمت يوم الفتح فبرها رسول الله وأكرمها.
وفي سنة خمس وثلاثين من مولده هدمت قريش الكعبة، والسبب في ذلك أن الله تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة ففعلا ذلك، وأقام إسماعيل بمكة وكان يلي البيت مدة حياته وبعده ابنه نابت، ثم غلبت جرهم على ولاية البيت وبغت جرهم واستحلت حرمة البيت وظلموا من دخل مكة؛ فأرسل الله على جرهم الرعاف
16
فأفناهم، واجتمعت خزاعة على إجلاء من بقي منهم، فلما أحس عامر بن الحارث الجرهمي بالهزيمة خرج بغزالي الكعبة والحجر الأسود يلتمس التوبة فلم تقبل توبته، فدفن غزالي الكعبة ببئر زمزم وطمسها وخرج بمن بقي من جرهم فقال عمرو بن الحارث الجرهمي في ذلك:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
صروف الليالي والجدود العواثر
وولي البيت بعد جرهم خزاعة ثم ولي البيت بعد خزاعة قريش، فحفر عبد المطلب بئر زمزم، ولما أرادوا هدم الكعبة هاب الناس هدمها، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدأ لكم به فأخذ المعول فهدم وهدم الناس معه حتى انتهى الهدم إلى الأساس وأفضت إلى حجارة خضر، ثم جمعوا الحجارة لبنائها وبنوا حتى بلغ البناء موضع الركن، فأرادت كل قبيلة رفعه إلى موضعه حتى تخالفوا وتواعدوا للقتال ثم تشاوروا وجعلوا من بينهم حكما فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وأخبروه الخبر فقال: إلي ثوبا، فأتي به فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه بيده ثم قال: ليأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا. ففعلوا فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه.
نامعلوم صفحہ
ولما بلغ النبي
صلى الله عليه وسلم
أربعين سنة بعثه الله وأنزل عليه الوحي، وكان ذلك يوم الإثنين لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان في سنة عشرين من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وكان رسول الله قبل أن يظهر له جبريل عليه السلام يرى ويعاين آثار من يريد الله عز وجل إكرامه بفضله، وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة قومها بزمانه، وكانت الأخبار عن دلائل نبوته كثيرة.
وكان أول ما ابتدأ به رسول الله
صلى الله عليه وسلم
الرؤيا الصادقة، ثم حبب إليه الخلا؛ فكان يجاور بغار حراء
17
يتعبد فيه الليالي ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد أنت رسول الله، قال رسول الله: فجئثت
18
منه فرقا ثم رجعت فدخلت على خديجة فقلت: زملوني زملوني، ثم ذهب عني الروع فأتاني فقال: يا محمد أنت رسول الله. قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من شاهق فتبدى لي حين هممت بذلك فقال: يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله، ثم قال: اقرأ، قلت: وما أقرأ؟ قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، فقرأت فأتيت خديجة فأشفقت على نفسي وأخبرتها خبري، فقالت لي: أبشر فوالله لا يخزيك الله تعالى أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكل
نامعلوم صفحہ
19
فتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
20
ثم كان أول ما أنزل عليه من القرآن بعد «اقرأ» ن والقلم وما يسطرون، ويا أيها المدثر، والضحى، ثم فتر الوحي عن رسول الله فترة فحزن حزنا شديدا، فجعل يغدو إلى رءوس الجبال ليتردى
21
منها، فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فيقول له: إنك رسول حقا، فيسكن له جأشه وترجع نفسه.
فلما أمر الله نبيه أن ينذر قومه عذاب الله على ما هم فيه من عبادة الأصنام دون الله تعالى، فكان أول من آمن به وصدقه خديجة بنت خويلد زوجته، ثم أول فرض فرضه الله عليه من شرائع الإسلام بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان؛ الصلاة، علم جبريل عليه السلام النبي الوضوء والصلاة وعلمهما النبي
صلى الله عليه وسلم
خديجة.
وأول من أسلم من الذكور علي بن أبي طالب وكان عمره تسع سنين، وزيد بن حارثة، وقيل: إن أول من أسلم من الذكور أبو بكر الصديق ثم بلال، وأسلم على يد أبي بكر: عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله، وأسلم أبو ذر وعمرو بن عنبسة السلمي وخالد بن سعيد بن العاص وزوجته هنية بنت خلف.
نامعلوم صفحہ
ثم أسلم عمر بن الخطاب وحمزة عم النبي، فقوي المسلمون بهما ثم تبعهما غيرهما كثير ممن اعتز بهم الإسلام.
لقد كانت الدعوة إلى دين الله مستترة ثلاث سنين، وبعد مبعثه بثلاث سنين أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يصدع بما يؤمر وأن يظهر الدعوة عامة، وكان قبل ذلك لا يظهرها إلا لمن وثق به فكان أصحابه إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلى الشعاب
22
فاستخفوا.
واختلف الناس في وقت المعراج فقيل: كان قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل: بسنة واحدة، وأما المكان الذي أسري برسول الله فيه فقد اختلف فيه أيضا، فقيل: كان نائما في المسجد في الحجر
23
فأسري به منه، وقيل: كان في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، وقد روى حديث المعراج جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة.
وكان في المسلمين قوم سبقوا إلى الإسلام لا عشائر لهم تمنعهم ولا قوة لهم يمتنعون بها فهؤلاء هم المستضعفون، وأما من كانت لهم عشيرة تمنعهم فلم تصل الكفار منهم إلى ما يريدون، وهؤلاء المستضعفون كبلال وعمار بن ياسر وسمية وخباب بن الأرت وصهيب بن سنان، والطفيل أخي عائشة لأمها وأبي فكيهة واسمه أفلح وعامر بن فهيرة وغيرهم، عذبوا في الإسلام فلم يرجع منهم أحد عن دينه.
ومن العرب قوم شديدو الأذى لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ
وهم المستهزئون كأبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف وهو ابن خال النبي، والحارث بن قيس بن عدي السهمي، والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، وأمية وأبي ابني خلف وكانا من أشر الناس على النبي، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل السهمي والد عمرو بن العاص، والنضر بن الحارث بن كلدة وهو ابن خالة النبي وكان أشر قريش في تكذيب النبي، وأبي جهل بن هشام المخزومي، وغيرهم جماعة كثيرة من قريش كانوا من المستهزئين الشديدي الأذى لرسول الله
صلى الله عليه وسلم .
ولما رأى رسول الله ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية لمكانه من الله عز وجل وعمه أبي طالب وأنه لا يقدر أن يمنعهم قال لهم : «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه.» فخرج المسلمون إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله تعالى بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام؛ فخرج عثمان بن عفان وزوجته رقية ابنة النبي
صلى الله عليه وسلم
معه، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وامرأته معه سهلة بنت سهيل، والزبير بن العوام، وغيرهم تمام عشرة رجال، وكان مسيرهم في رجب سنة خمس من النبوة، وهي السنة الثانية من إظهار الدعوة، فأقاموا شعبان وشهر رمضان، وقدموا في شوال سنة خمس من النبوة.
وتوفي أبو طالب وخديجة قبل الهجرة بثلاث سنين؛ توفي أبو طالب في شوال وعمره بضع وثمانون سنة، وماتت خديجة قبله بخمسة وثمانين يوما، وقيل كان بينهما خمسة وعشرون يوما؛ فعظمت المصيبة على رسول الله بموتهما.
وفي السنة الأولى من الهجرة بعد وفاة خديجة تزوج النبي
صلى الله عليه وسلم
سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر الصديق، وبنى بها بعد مقدمه المدينة بثمانية شهور، ثم تزوج حفصة في السنة الثالثة من الهجرة، وأم حبيبة وأم سلمة تزوجهما في السنة الرابعة من الهجرة، وزينب بنت جحش في السنة الخامسة، وميمونة وجويرية وصفية، فهؤلاء التسع توفي عنهن.
كان رسول الله يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب فكانوا يردونه، وكان عمه أبو لهب يتبعه ويفسد عليه سعيه، وتتابع أصحاب رسول الله إليه وهو بمكة ينتظر من الله ما يؤمر به، وتخلف معه علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق، فتآمر العرب عليه فاجتمعوا في دار الندوة، وهي دار قصي بن كلاب وتشاوروا فيها، وكانوا عتبة وشيبة وأبو سفيان وطعيمة بن عدي وحبيب بن مطعم والحارث بن عامر والنضر بن الحارث وأبو جهل وغيرهم، وأرادوا قتله، فأتى جبريل النبي
نامعلوم صفحہ
صلى الله عليه وسلم
وقال له: لا تبت الليلة على فراشك، فنجاه الله تعالى من مكرهم وأمره بالهجرة، فعمل على الخلاص ليلا حتى وصل إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، فقدم به الدليل قباء يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فنزل النبي
صلى الله عليه وسلم
على سعد بن خيثمة، ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف بالسنح، وقيل: نزل على خارجة بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج، وأما علي فإنه لما فرغ مما أمره النبي به هاجر إلى المدينة، وكان يسير الليل ويكمن بالنهار حتى قدم المدينة وقد تفطرت قدماه، فأتاه النبي واعتنقه وبكى رحمة له لما بقدميه من الورم، وفي اليوم الذي نزل فيه من قباء
24
في بني سالم في بطن واد لهم، أدركت رسول الله الجمعة فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة، واختلف العلماء في مقامه بمكة بعد أن أوحي إليه؛ فقال أنس وابن عباس: إنه أقام بمكة عشر سنين، وقيل: أقام ثلاث عشرة سنة، وكلاهما صحيح؛ فإن النبي بقي ثلاث سنين يسر الدعوة قبل عشر السنين.
وبنى
صلى الله عليه وسلم
في السنة الأولى من الهجرة مسجده بالمدينة حيث بركت ناقته لما دخلها، وكان هذا المكان لغلامين يتيمين هما: سهل وسهيل ابنا عمرو من بني النجار فأرضاهما معاذ بن عفراء من ثمنه عن ثمنه، فبنى المسجد، وكان
صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ
قبل ذلك يصلي حيث أدركته الصلاة.
وفي السنة الثانية من الهجرة أخذ النبي
صلى الله عليه وسلم
في عقد الألوية لرجاله من الصحابة، وابتدأ غزواته وإرسال سراياه،
25
ومنها: غزوة بدر الكبرى، وغزوة بني القينقاع، واستشهد في هذه السنة كثير من الصحابة.
وفي السنة الثالثة كانت غزوة بني سليم وغزوة أحد وغزوة حمراء الأسد.
26
وفي السنة الرابعة كانت غزوة الرجيع، وغزوة ذات الرقاع، وغزوة بدر الثانية.
وفي السنة الخامسة من الهجرة كانت غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب، وغزوة بني قريظة، وفيها تزوج رسول الله
نامعلوم صفحہ