غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Muhammad ibn Ahmad al-Safarini d. 1188 AH
42

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

ناشر

مؤسسة قرطبة

ایڈیشن نمبر

الثانية

اشاعت کا سال

1414 ہجری

پبلشر کا مقام

مصر

اصناف

تصوف
فَعِنْدِي مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ أَمَانَةٌ ... سَأَبْذُلُهَا جَهْدِي فَأَهْدِي وَأَهْتَدِي (فَعِنْدِي) مُسْتَقِرٌّ وَثَابِتٌ (مِمَّا) أَيْ مِنْ الْآدَابِ الثَّابِتَةِ (فِي الْحَدِيثِ) الْوَارِدِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ أَقْوَالِهِ ﷺ وَأَفْعَالِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ وَصِفَتِهِ (أَمَانَةٌ) يَجِبُ عَلَيَّ حِفْظُهَا وَالْقِيَامُ بِأَوَدِهَا وَمُرَاعَاتِهَا إلَى أَنْ أَبْذُلَهَا لِأَهْلِهَا وَأَنْشُرَهَا فِي مَحَلِّهَا فَأَدْخُلَ فِي دَعَوْته ﷺ «نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَ امْرِئٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» . الْحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. وَلِذَا قَالَ (سَأَبْذُلُهَا) أَيْ أُعْطِيهَا وَأَجُودُ بِهَا وَأَنْشُرُهَا وَأَجْتَهِدُ فِي بَذْلِهَا (جَهْدِي) وَطَاقَتِي وَأُفْرِغُ فِي ذَلِكَ وُسْعِي وَقُوَّتِي (فَأَهْدِي) أَيْ أُرْشِدُ ضَالًّا وَأُعَلِّمُ جَاهِلًا وَأَدُلُّ تَائِهًا فَأَفُوزُ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ وَالثَّوَابِ الْجَسِيمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِعَلِيٍّ ﵁ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَشَرَفِ مَنْزِلَةِ أَهْلِهِ، بِحَيْثُ إذَا اهْتَدَى رَجُلٌ وَاحِدٌ بِالْعَالِمِ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ جِيَادُهَا وَأَشْرَفُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ يَهْتَدِي كُلَّ يَوْمٍ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ؟ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» . فَأَخْبَرَ ﷺ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ إلَى الْهُدَى بِدَعْوَتِهِ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ اهْتَدَى بِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَسَبِّبُ إلَى الضَّلَالَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ ضَلَّ بِهِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَذَلَ وُسْعَهُ وَقُدْرَتَهُ فِي هِدَايَةِ النَّاسِ، وَالثَّانِي بَذَلَ قُدْرَتَهُ فِي ضَلَالَتِهِمْ، فَنَزَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلَةَ الْفَاعِلِ التَّامِّ. (وَأَهْتَدِي) أَنَا فِي نَفْسِي بِسَبَبِ بَذْلِي لِلْعِلْمِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ كَمَا قَالَهُ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ عَلِيٌّ ﵁. فَالْعَالِمُ كُلَّمَا بَذَلَ عِلْمَهُ لِلنَّاسِ وَأَنْفَقَ مِنْهُ تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُهُ وَازْدَادَ كَثْرَةً وَقُوَّةً وَظُهُورًا فَيَكْسِبُ بِتَعْلِيمِهِ حِفْظَ مَا عَلِمَهُ وَيَحْصُلُ لَهُ عِلْمُ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ. وَرُبَّمَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَكْشُوفَةٍ وَلَا خَارِجَةٍ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا

1 / 49