الثَّانِي: هَلْ السَّلَامُ كَالصَّلَاةِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا أَوْ لَيْسَ إلَّا الْإِبَاحَةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٌ ﵇؟ أَمَّا مَذْهَبُنَا فَقَدْ عَلِمْت جَوَازَهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ اسْتِقْلَالًا بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَكَرِهَهُ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَمَنَعَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ ﵇.
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فَقَالُوا السَّلَامُ يُشْرَعُ فِي حَقِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ حَيٍّ وَمَيِّتٍ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ، فَإِنَّك تَقُولُ بَلِّغْ فُلَانًا مِنِّي السَّلَامَ، وَهُوَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الرَّسُولِ ﷺ وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُصَلِّي السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
الثَّالِثُ: الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْمَلَائِكَةِ جَائِزَةٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى صَاحِبِهِ فِي الْغَارِ، وَعَلَى الْفَارُوقِ مُمَصَّرِ الْأَمْصَارِ، وَعَلَى عُثْمَانَ ذِي النُّورَيْنِ الَّذِي بَايَعَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالْيَسَارِ، وَعَلَى عَلِيٍّ الْكَرَّارِ، وَعَلَى السِّبْطَيْنِ خُلَاصَةِ الْأَنْوَارِ، وَعَلَى الْعَمَّيْنِ لَا سِيَّمَا أَسَدُ اللَّهِ مَنْ فَرَّجَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ.
مَطْلَبٌ: اخْتِصَاصُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ بِ " كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ".
(الرَّابِعُ): ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَدْ غَلَبَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ النُّسَّاخِ لِلْكُتُبِ أَنْ يُفْرَدَ عَلِيٌّ ﵁ بِأَنْ يُقَالَ ﵇ مِنْ دُونِ الصَّحَابَةِ أَوْ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ، وَالشَّيْخَانِ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ ذَاعَ ذَلِكَ وَشَاعَ وَمَلَأ الطُّرُوسَ وَالْأَسْمَاعَ. قَالَ الْأَشْيَاخُ: وَإِنَّمَا خُصَّ عَلِيٌّ ﵁ بِقَوْلِ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لِأَنَّهُ مَا سَجَدَ إلَى صَنَمٍ قَطُّ وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَبَعْدُ فَإِنِّي سَوْفَ أَنْظِمُ جُمْلَةً ... مِنْ الْأَدَبِ الْمَأْثُورِ عَنْ خَيْرِ مُرْشِدِ
(وَبَعْدُ) الْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا، وَأَمَّا نَائِبَةٌ عَنْ مَهْمَا.
وَبَعْدُ كَلِمَةٌ يُؤْتَى
1 / 33