62

أجل لقد سلك الغزالي طريقا، وسلك نقاده طريقا آخر، فلم يلتقيا ولم يأتلفا ولم يتفاهما؛ لأنه محال أن يظفر سالك طريق الشرق بما في الغرب.

الغزالي رجل دين، وفيلسوف من فلاسفة الروح والقلب، فلا توزن معارفه إلا بموازين الدين، ولا يقاس تراثه إلا بالأقيسة الروحية القلبية.

ومن أراد أن يفهم الغزالي فلا بد أولا أن يتذوق سعادة الطاعة والعبادة، وسعادة الإيمان اليقيني وسعادة السلام الروحي، ولا بد أن يؤمن بأن خالق الأكوان يراقب خلجات نفسه، وخلجات قلبه ووجهات أعماله، وأنه إذا لم يكن يرى الله فإن الله يراه.

من أراد أن يتذوق الغزالي فليؤمن إيمان الغزالي، أو فليحترم تلك المثل العليا التي فني فيها الغزالي، ورصد قلبه وقلمه لها، وبدون هذا الإيمان، وبدون هذا الاحترام لن يفهم أرباب الأقلام سحر الغزالي، وعبقريته وتراثه.

مجدد القرن الخامس

عن أبي هريرة: أن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.

وقد اتفق علماء التاريخ على أن مجدد المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، والمائة الثانية الإمام الشافعي، والثالثة الإمام الأشعري، والرابعة الباقلاني، والخامسة حجة الإسلام الغزالي.

والإسلام شريعة أحكمت وفصلت آياتها وبينت للناس، فالمجدد الإسلامي والمصلح الإسلامي إذن ليست رسالته أن يبتدع جديدا، أو يبتكر تكملة، أو يأتي بوحي من عنده.

وإنما تجديد الدين يراد به: تجديد النفوس الإسلامية، وتبديد الترهات والجهالات التي تكون قد تراكمت في القلوب والعقول.

والله سبحانه الذي تعهد الخلق بالرسالات هدى ونورا، كلما ضللتهم قوى الشر، وعبثت بهم أهواء النفوس، هو الذي يمن على عباده بهؤلاء الملهمين المجددين الذين يسيرون على أضواء النبوات وأشعة الرسالات.

نامعلوم صفحہ