له هذه الأحوال اطمأن وعبد الله، وإذا تغيرت وامتحنه الله بالشدة والضر ترك العبادة وكفر فهذا عبد الله على وجه واحد فلهذا سمى النبي- ﷺ هذه الأوجه المختلفة من القراءات والمتغايرة من اللغات أحرفا على معنى أن كل شيء منها وجه انتهى، وأما النظر فإن حكمة إتيانه على سبعة أحرف التخفيف والتيسير على هذه الأمة في التكلم بكتابهم كما خفف عليهم في شريعتهم، وهو كالمصرح به في الأحاديث الصحيحة كقوله أسأل الله معافاته ومعونته وكقوله: «إن ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف واحد فرددت إليه أن هوّن على أمتى ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف» لأنه- ﷺ أرسل للخلق كافة وألسنتهم مختلفة غاية التخالف كما هو مشاهد فينا ومن كان قبلنا مثلنا وكلهم مخاطب بقراءة القرآن قال الله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ فلو كلفوا كلهم النطق بلغة واحدة لشق ذلك عليهم وتعسر إذ لا قدرة لهم على ترك ما اعتادوه وألفوه من الكلام إلا بتعب شديد وجهد جهيد، وربما لا يستطيعه بعضهم ولو مع الرياضة الطويلة وتذليل اللسان كالشيخ والمرأة فاقتضى يسر الدين أن يكون على لغات، وفيه حكمة أخرى، وهي أنه- ﷺ تحدى بالقرآن جميع الخلق قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ الآية، فلو أتى بلغة دون لغة لقال الذين لم يأت بلغتهم لو أتى بلغتنا لأتينا بمثله وتطرق الكذب إلى قوله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. فإن قلت يعكر على هذا أن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان وهما قرشيان لغتهما واحدة أن تكون لغتهما واحدة فقد يكون قرشيا مثلا ويتربى في غير قومه فيتعلم لغتهم بها وهو كثير فيهم وفي الحديث: «أنا أعربكم أنا من قريش ولساني لسان سعد بن بكر» وفيه أيضا: «أنا أعرب العرب ولدت من قريش ونشأت في بني سعد فأنى يأتيني اللحن» وقال تعالى: وَهذا
1 / 13