(قبله) أي الشرع أي بعثة أحد من الرسل لانتفاء لازمه حينئذ من ترتب الثواب والعقاب بقوله تعالى ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا﴾ ف) أي ولا مثيبين فاغتنى عن ذكر الثواب بذكر مقابله الأظهر في تحقق معنى التكليف، والقول بأن الرسول في الآية العقل وتخصيص العذاب فيها بالدنيوي خلاف الظاهر. (بل) انتقالية لا إبطالية. (الأمر) أي الشأن في وجوب الحكم (موقوف إلى وروده) أي الشرع فلا مخالفة بين من عبر منا في الأفعال قبل البعثة بالوقف، ومن نفى منا الحكم فيها. أما عند المعتزلة فالحكم متعلق به تعلقا تنجيزيا قبل البعثة، فإنهم جعلوا العقل حاكما في الأفعال قبل البعثة فما قضى به في شيء منها ضروري كالتنفس في الهواء أو اختياري لخصوصه بأن أدرك فيه مصلحة أو مفسدة، أو انتفاءهما، فأمر قضائه فيه ظاهر، وهو أن الضروري مقطوع بإباحته، والاختياري لخصوصه ينقسم إلى الأقسام الخمسة الحرام وغيره، لأنه إن اشتمل على مفسدة فعله فحرام كالظلم، أو تركه فواجب كالعدل، وإلا فإن اشتمل على مصلحة فعله فمندوب كالإحسان، أو تركه فمكروه،. وإن لم يشتمل على مفسدة ولا مصلحة فمباح، فإن لم يقض العقل في شيء منها لخصوصه بأن لم يدرك فيه شيئا مما مر كأكل الفاكهة فاختلف في قضائه فيه لعموم دليله على ثلاثة أقوال أحدها أنه محظور لأن الفعل تصرف في ملك الله تعالى بغير إذنه إذ العالم كله ملك له تعالى. وثانيها أنه مباح لأن الله تعالى خلق العبد وما ينتفع به، فلو لم يبح له كان خلقهما عبثا أي خاليا عن الحكمة. وثالثها الوقف عنهما أي لا يدري أنه محظور أو مباح مع أنه لا يخلو عن واحد منهما، إما ممنوع منه فمحظور أو لا فمباح، وذلك لتعارض دليلهما، وقد علم بطلان الثلاثة مما مر من قوله تعالى ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا﴾ .
تتمة:
لو وقع بعد البعثة صورة لا حكم فيها فثلاثة أقوال الحظر لآية ﴿يسألونك ماذا أحلّ لهم﴾ فإنها تدل على سبق التحريم والإباحة لقوله تعالى ﴿خلق لكم ما في الأرض جميعا﴾ والوقف لتعارض الدليلين.
(والأصح امتناع تكليف الغافل) وهو من لا يدري كالنائم والساهي، لأن مقتضى التكليف بشيء الإتيان به امتثالًا وذلك يتوقف على العلم بالمكلف به والغافل لا يعلم ذلك، ومنه السكران وإن أجرى عليه حكم المكلف تغليظا عليه كما أوضحته في حاشية شرح الأصل وغيرها. (و) امتناع تكليف (الملجأ) وهو من يدري ولا مندوحة له عما ألجىء إليه كالساقط من شاهق على شخص يقتله لا مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له، فيمتنع تكليفه بالملجأ إليه وبنقيضه لعدم قدرته على ذلك، لأن الأوّل واجب الوقوع، والثاني ممتنعه ولا قدرة له على واحد منهما. وقيل يجوز تكليف الغافل والملجأ بناء على جواز التكليف بما لا يطاق كحمل الواحد الصحرة العظيمة، وردّ بأن الفائدة في التكليف بذلك من الاختبار هل يأخذ في المقدمات منتفية في تكليف من ذكر، وظاهر أن من ذكر يمتنع أن يتعلق به خطاب غير وضعي بغير الواجب والحرام أيضا، وإن أوهم التعبير بالتكليف قصوره عليهما. (لا المكره) وهو من لا مندوحة له عما أكره عليه إلا بالصبر على ما أكره به، فلا يمتنع تكليفه بالمكره عليه، وإن خالف داعي الإكراه داعي الشرع ولا بنقيضه، وإن وافقه على الأصح فيهما لإمكان الفعل، لكن لم يقع الأوّل مع المخالفة لخبر «رُفِعَ عَنْ أمَّتي الخَطَأَ والنِّسيانَ وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ» . ولا الثاني مع الموافقة قياسا على الأوّل، وإنما وقعا مع غير ذلك لقدرته على امتثال ذلك بأن يأتي بالمكره عليه لداعي الشرع كمن أكره على أداء الزكاة فنواها عند أخذها منه، أو بنقيضه صابرا على ما أكره
1 / 8