إذ لا يلزم من تقدم اللغة على البعثة أن تكون اصطلاحية لجواز أن تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بين النبوّة والرسالة. (وأن اللغة لا تثبت قياسا) أي به بقيد زدته بقولي (فيما في معناه وصف) فإذا اشتمل معنى اسم على وصف مناسب للتسمية كالخمر أي المسكر من ماء العنب لتخميره أي تغطيته للعقل ووجد ذلك الوصف في معنى اسم آخر كالنبيذ أي المسكر من غير ماء العنب لم يثبت له بالقياس ذلك الاسم لغة، فلا يسمى النبيذ خمرا، إذ ما من شيء إلا وله اسم لغة فلا يثبت له اسم آخر قياسا، كما إذا ثبت لشيء حكم بنص لم يثبت له حكم آخر قياسا، وقيل يثبت به فيسمى النبيذ خمرا فيجب اجتنابه بآية ﴿إنما الخمر والميسر﴾ لا بالقياس على الخمر، فإن قلت ينبغي ترجيحه فقد قال به الشافعي حيث قاس النباش بالسارق فأوجب القطع وقاس النبيذ بالخمر فأوجب الحدّ. قلنا قاس شرعا لا لغة إذ زوال العقل وأخذ مال الغير خفية وصف مناسب للحكم لا أنه قاس وصف النباش ووصف النبيذ بوصف السارق ووصف الخمر، وقيل تثبت به الحقيقة دون المجاز لأنه أخفض رتبة منها، وقيل غير ذلك والترجيح من زيادتي وبما تقرر علم أن محل الخلاف في غير الأعلام، وفيما لم يثبت تعميمه باستقراء، فالأعلام لا قياس فيها اتفاقا، وما ثبت تعميمه باستقراء كرفع الفاعل ونصب المفعول لا حاجة في ثبوت ما لم يسمع منه إلى قياس حتى يختلف في ثبوته، مع أنه لا يتحقق في جزئياته أصل وفرع، لأن بعضها ليس أولى من بعض بذلك، وخرج بما في معناه وصف غيره فلا قياس فيه اتفاقا لا لانتفاء الجامع.
(مسألة اللفظ) المفرد (والمعنى إن اتحدا) بأن كان كل منهما واحدا (فإن منع تصوّر معناه) أي معنى اللفظ المذكور (الشركة) فيه من اثنين مثلًا (فجزئي) أي فذلك اللفظ يسمى جزئيا حقيقيا كزيد. (وإلا) أي وإن لم يمنع تصوّر معناه الشركة فيه (فكلي) سواء امتنع وجود معناه كالجمع بين الضدين أم أمكن ولم يوجد منه كبحر زئبيق أو وجد وامتنع غيره كالإله أي المعبود بحق، أو أمكن ولم يوجد كالشمس أي الكوكب النهاري المضيء، أو وجد كالإنسان أي الحيوان الناطق، وما مر من تسمية المدلول جزئيا وكليا هو الحقيقة، وما هنا مجاز من تسمية الدال باسم المدلول. (متواطىء) ذلك الكلي. (إن استوى) معناه في أفراده كالإنسان فإنه متساوي المعنى في أفراده من زيد وعمرو وغيرهما سمي متواطئا من التواطؤ أي التوافق لتوافق أفراد معناه فيه. (وإلا) فإن تفاوت معناه في إفراده بالشدة أو التقدم كالبياض، فإن معناه في الثلج أشد منه في العاج، وكالوجود فإن معناه في الواجب قبله في الممكن، (فمشكك) سمي به لتشكيكه الناظر فيه في أنه متواطىء نظرا إلى جهة اشتراك الأفراد في أصل المعنى أو غير متواطىء نظرا إلى جهة الاختلاف. (وإن تعددا) أي اللفظ والمعنى كالإنسان والفرس. (فمباين) أي كل من اللفظين للآخر مباينا له لمباينة معنى كل منهما لمعنى الآخر. (أو) تعدد (اللفظ فقط) أي دون المعنى كالإنسان والبشر. (فمرادف) كل من اللفظين للآخر سمى مرادفا له لمرادفته له أي موافقته له في معناه. (وعكسه) وهو أن يتعدد المعنى دون اللفظ كأن يكون للفظ معنيان.
1 / 44