كالمكروه والخلف لفظي، فإن الكعبي قائل بأنه غير مأمور به من حيث ذاته ومأمور به من حيث ما عرض له من تحقق ترك الحرام به وغيره لا يخالفه فيهما، فقولي في ذاته قيد للقول بأن المباح غير مأمور به لا لمحل الخلاف، وسيأتي ماله بذلك تعلق. (و) الأصح (أن الإباحة حكم شرعي) لأنها التخيير بين الفعل والترك المتوقف وجوده كبقية الأحكام على الشرع كما مر. وقال بعض المعتزلة لا لأنها انتفاء الحرج عن الفعل والترك وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمر بعده. (والخلف) في المسائل الثلاث (لفظي) أي راجع إلى اللفظ دون المعنى. أما في الأوليين فلما مر، وأما في الثالثة فلأن الدليلين لم يتواردا على محل واحد، فتأخيري لهذا عن الثلاث أولى من تقديم الأصل له على الأخيرة.
واعلم أن ما سلكته في مسألة الكعبي تبعت فيه هنا الأكثر، وأولى منه ما ملكته في الحاشية أخذا من كلام بعض المحققين من تحريم الكلام فيها بوجه آخر، ومن رد دليل الكعبي بما يقتضي أن الخلاف معنوي وإن خالف ذلك ظاهر كلام الكعبي. (و) الأصحّ (أن الوجوب) لشيء (إذا نسخ) كأن قال الشارع نسخت وجوبه أو حرمة تركه (بقي الجواز) له الذي كان في ضمن وجوبه من الإذن في الفعل بما يقوّمه من الإذن في الترك. وقال الغزالي لا يبقى لأن نسخ الوجوب يجعله كأن لم يكن ويرجع الأمر إلى ما كان قبله من تحريم أو إباحة أو براءة أصلية فالخلف معنوي. (وهو) أي الجواز المذكور (عدم الحرج) في الفعل والترك من الإباحة أو الندب أو الكراهة بالمعنى الشامل لخلاف الأولى. (في الأصح) إذ لا دليل على تعيين أحدها، وقيل هو الإباحة فقط، إذ بارتفاع الوجوب ينتفي الطلب فيثبت التخيير، وقيل هو الندب فقط، إذ المتحقق بارتفاع الوجوب انتفاء الطلب الجازم فيثبت الطلب غير الجازم. والحاصل أنه يعتبر في الجواز المذكور رفع الحرج عن الفعل والترك في الأقوال الثلاثة، لكنه مطلق في الأول منها ومقيد باستواء الطرفين في الثاني، وبترجح الفعل في الثالث فالخلف معنويّ هكذا أفهم.
مسألة في الواجب الحرام المخيرين (الأمر بأحد أشياء) معينة كما في كفارة اليمين. (يوجبه) أي الأحد (مبهما عندنا) وهو القدر المشترك بينها في ضمن أيّ معين منها لأنه المأمور به، وقيل يوجبه معينا عند الله تعالى، فإن فعل المكلف المعين فذاك أو فعل غيره منها سقط بفعله الواجب، وقيل يوجبه كذلك، وهو ما يختاره المكلف بأن علم الله منه أنه لا يختار سواه، وإن اختلف باختيار المكلفين. وقيل يوجب الكل فيثاب بفعلها ثواب واجبات، ويعاقب بتركها عقاب ترك واجبات، ويسقط الكل الواجب بواحد منها، لأن الأمر تعلق بكل منها بخصوصه على وجه الاكتفاء بواحد منها. قلنا إن سلم ذلك لا يلزم منه وجوب الكل المرتب عليه ذلك والقول الأخير والثاني للمعتزلة، فهم متفقون على نفي أيجاب واحد منهم كنفيهم تحريمه كما سيجيء لما قالوا من أن إيجاب الشيء أو تحريمه لما في تركه، أو فعله من المفسدة التي يدركها العقل، وإنما يدركها في المعين، والثالث يسمى قول التراجم، لأن كلًاّ من الأشاعرة والمعتزلة تنسبه إلى الأخرى فاتفق الفريقان على بطلانه. (فـ) ـعلى الأصح (إن فعلها) كلها (فالمختار) أنه (إن فعلها مرتبة فالواجب) أي
1 / 26