لا بقيد المؤدّي إلى علم أو ظن كما سيأتي حذرا من التكرار، والفكر حركة النفس في المعقولات بخلافها في المحسوسات، فإنها تخييل لا فكر، وكأنهم ضمنوا الحركة اعتبار قصدها فيخرج الحدس وما يتوارد على النفس في المعقولات بلا قصد كما في النوم والنسيان، ويطلق الفكر أيضا على حركة النفس من المطالب إلى المبادىء، ثم الرجوع منها إليها، وشمل التعريف الدليل القطعي كالعالم لوجود الصانع والظني كالنار لوجود الدخان، وأقيموا الصلاة لوجوبها بناء على طريقة الأصوليين والفقهاء من أن مطلوبهم العمل وهو لا يتوقف على العلم، بخلاف طريقة المتكلمين والحكماء، فإن مطلوبهم العلم ولهذا زادوا لفظة في التعريف، فقالوا إلى العلم بمطلوب خبري فبالنظر الصحيح في الأدلة المذكورة أي بحركة النفس فيما تعقله منها مما من شأنه أن ينتقل به إلى تلك المطلوبات، كالحدوث في الأول، والإحراق في الثاني، والأمر بالصلاة في الثالث يصل إلى تلك المطلوبات بأن ترتب هكذا العالم حادث وكل حادث له صانع فالعالم له صانع. النار شيء محرق وكل محرق له دخان فالنار لها دخان. أقيموا الصلاة أمر بها وكل أمر بشيء لوجوبه حقيقة فأقيموا الصلاة لوجوبها حقيقة، وقالوا يمكن التوصل دون يتوصل لأن الشيء يكون دليلًا، وإن لم يوجد النظر المتوصل به فالدليل مفرد، ويقال له المادة والإمكان يكون قبل الفكر فيه، أما بعده فلا بد من قضيتين صغرى مشتملة على موضوع المطلوب كما رأيت.
وأما الدليل عند المناطقة فقضيتان فأكثر تكون عنهما قضية أخرى فهو عندهم مركب، ويقال له المادة والصورة، وخرج بصحيح النظر فاسده فلا يمكن التوصل به إلى المطلوب لانتفاء وجه الدلالة عنه، وإن أدى إليه بواسطة اعتقاد أو ظن كما إذا نظر في العالم والنار من حيث البساطة، فإنهما ليسا من شأنهما أن ينتقل بهما إلى وجود الصانع والدخان، لكن يؤدّي إلى وجودهما هذان النظران ممن اعتقد أن العالم بسيط وكل بسيط له صانع، وممن ظنّ أن كل مسخن له دخان كذا قيل، وهو ظاهر في المطلوب الاعتقادي والظني لا العلمي لما سيأتي أن العلم لا يقبل النقض، وظاهر أن الحاصل بذلك يقبله إذا تبين فساد النظر. وبالخبري المطلوب التصوري، فيتوصل إليه بالحد بأن يتصور بتصوره كالحيوان الناطق حدا للإنسان، وسيأتي حد الحد الشامل لذلك ولغيره.
(والعلم) بالمطلوب الحاصل (عندنا) أيها الأشاعرة (عقبه) أي عقب صحيح النظر عادة عند الأشعري وغيره فلا يتخلف إلا خرقا للعادة كتخلف الإحراق عن مماسة النار، أو لزوما عند الإمام الرازي وغيره، فلا ينفك أصلًا كوجود الجوهر لوجود العرض. (مكتسب) للناظر (في الأصح) لأن حصوله عن نظره المكتسب له، وقيل لا لأن حصوله اضطراري لا قدرة على دفعه فلا خلاف إلا في التسمية وهي بالمكتسب أنسب والتصحيح من زيادتي، وكالعلم فيما ذكر الظن وإن لم يكن بينه وبين أمر ما ارتباط بحيث يمتنع تخلفه عنه عقلًا أو عادة، لأن النتيجة لازمة للقضيتين وإن كانتا ظنيتين، وزواله بعد حصوله لا يمنع حصوله لزوما أو عادة وخرج بعندنا العتزلة فقالوا النظر يولد العلم كتوليد حركة اليد لحركة المفتاح عندهم، وعلى وزانه يقال الظن الحاصل متولد عن النظر عندهم. (والحد) لغة المنع واصطلاحا عند الأصوليين. (ما يميز الشيء عن غيره) ولا يميز كذلك إلا ما لا يخرج عنه شيء من أفراد المحدود، ولا يدخل فيه شيء من غيرها، والأول وهو من زيادتي مبين لمفهوم الحدّ ولهذا زدته، والثاني لخاصته وهو بمعنى قول القاضي أبي بكر الباقلاني المذكور بقولي (ويقال) الحد (الجامع) أي لأفراد المحدود (المانع) أي من دخول غيرها فيه (و) يقال أيضا الحد (المطرد) أي الذي كلما وجد وجد لمحدود فلا يدخل فيه شيء من غير أفراد المحدود فيكون مانعا. (المنعكس) أي الذي كلما وجد المحدود وجد هو فلا
1 / 21