وكان أشد المتآمرين حقدا على دارنلي وغيظا منه لنذالته: روثفن، الذي لم يسعه وهو على فراش الموت، بعد ستة أسابيع من ذلك التاريخ، إلا أن يرسل إلى الملكة ماري بالوثيقة الأصلية التي وقعها دارنلي بإمضائه قبل أن يبدأ الثورة ضدها.
وقرأت الملكة ماري الوثيقة بعجب شديد؛ إذ رأت أن زوجها الملك لم يكتف فيها بأن يعلن انضمامه إلى المؤامرة، بل أعلن أنها تقوم بمحض إرادته وأمره، وأن كل مسئوليتها تقع على عاتقه هو، وأنه يؤمن الثائرين ضد كل العواقب.
وكانت الوثيقة قاطعة بالخيانة؛ ولذلك أمرت الملكة باستدعاء زوجها لتواجهه بها، فلما مثل بين يديها قابلته بكل غضب وازدراء، وأخذت تسبه، وأبرزت له الوثيقة الممهورة بإمضائه، والتي كانت الدليل القاطع على خيانته، وأخيرا قطعت كل علاقة لها به، وطردته من حضرتها باحتقار شديد، فخرج متحسرا مغلوبا على أمره.
في ظلام اليأس
خرج دارنلي يائسا؛ إذ قد فقد أصدقاءه اللوردات الذين شاركوه في المؤامرة في مبدأ الأمر، ثم ما لبثوا أن نبذوه؛ لأنه تبرأ منهم وخانهم، وكذلك فقد الملكة بعد أن وضعت يدها على الدليل المادي على خيانته. وكانت الملكة تظهر له الازدراء كلما وقع نظرها عليه، وأصدرت أمرها بأن كل من يظهر الاحترام لزوجها سيجر على نفسه غضبها وعدم رضائها، وكان من أثر ذلك أن اضطر دارنلي إلى الانسحاب من القصر؛ لأن حياته فيه أصبحت مستحيلة لما يكتنفها من هزء واحتقار، ولبث يتجول حينا من الزمان وقد أغلقت في وجهه الأبواب؛ إذ كان كل من يلقاه، سواء من أتباع الملكة أو من أعدائها، لا يقابله بغير الازدراء، واضطر في النهاية إلى الذهاب إلى صديقه لينوكس بمدينة جلاسجو، حيث أخذ يسلي نفسه بالعبث مع كلابه وطيوره ونسائه.
لا شك أن الملكة أخطأت إذ تركت زوجها دون أن تنتقم منه، حتى أخذ يعبث ويتنقل حيث يشاء، وكان من الخير لو أنها انتهت منه دفعة واحدة فأمرت بنفيه أو إعدامه جزاء اشتراكه في المؤامرة، ولكن كان ما يبعثها على عدم الأمر بإعدامه هو نفس السبب الذي بعثها على طرده من قصرها شر طردة.
ذلك السبب الذي وقف حجر عثرة في سبيل تنفيذ مآربها وانتقامها من زوجها دارنلي هو علاقتها الغرامية باللورد بوثول؛ الرجل الذي كان لا يهتم بالوسائل في سبيل تنفيذ الأغراض، فقد خشيت الملكة أن يظن الناس أنها أعدمت زوجها من أجل بوثول؛ حتى لا يكون عليها ثمة رقيب يضايقها بحقوقه الزوجية.
مع بوثول
وجدت الملكة في بوثول صديقا مخلصا في الوقت الذي كانت فيه في أشد الحاجة إلى صديق؛ إذ كانت لا تجد رجلا يمكنها أن تثق به. وكان بوثول قوي الشكيمة يمكن للمرأة أن تعتمد عليه. وهذا ما يعلل نفوذه العظيم على الملكة، وما أثاره في نفسها من عاطفة الحب القوي حتى غدت لا تستطيع أن تفارقه لحظة واحدة، أو تعصي له أمرا.
وقد تجلى حبها لبوثول وتقديرها له أكثر من زوجها نفسه في الوصية التي كتبتها حين أوشكت أن تلد، وخشيت أن تموت في أثناء الوضع، فقد أوصت إذ ذاك لدارنلي بخاتمها ذي الماسة الحمراء الذي قدمه لها يوم زواجهما، ولكنها عينت بوثول وصيا على ولده إذا أدركها الموت، وأمرت أن تسلم إليه مقاليد الحكم من بعدها!
نامعلوم صفحہ