وقال صلى الله عليه وسلم : «إن بالمدينة جنا قد أسلموا» (1) «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» (2) «ما منكم أحد إلا وله شيطان». قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فاسلم» (3).
** الوجه الثالث :
أن يقال : كل ما أتى به الأنبياء فإنما حصل بإعانة الجن فمن الجائز أن حنين الجذع كان بسبب نفوذ الجن في الجذع ، وكل فرع أدى إلى إبطال الأصل فهو باطل. والجواب أن الدليل الدال على صحة نبوة الأنبياء ، كما يجيء ، يدل على صدق أخبارهم. ومن جملة ما أخبروا عنه وجود الجن والشياطين فصح وجودهم. واعلم أن كثيرا من الناس أثبتوا موجودات لا متحيزة ولا حالة في المتحيز وزعموا أنها مجردات عن شوائب الجسمانيات وهم الملائكة المقربون الذين ( لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ) [الأنبياء : 19] ، ويليها مرتبة الأرواح المتعلقة بتدبير الأجسام وأشرفها حملة العرش ، ثم الحافون من حول العرش ، ثم ملائكة الكرسي ، ثم ملائكة السموات طبقة فطبقة ، ثم ملائكة كرة الأثير ، ثم ملائكة كرة النسيم ، ثم ملائكة كرة الزمهرير ، ثم الملائكة المسلطة على البحار ، ثم على الجبال ؛ ثم مرتبة الأرواح السفلية المتصرفة في هذه الأجسام النباتية والحيوانية. وهذه الأرواح قد تكون مشرقة خيرة وهم من قبيل الملائكة ، وقد تكون مظلمة شريرة وهم شياطين الإنس والجن. ولفظ الجن مأخوذ من الاجتنان وهو الاستتار لاستتارهم عن العيون ، ومنه المجنون لاستتار عقله ، والجنة لكونها ساترة للإنسان. وطوائف المكلفين أربعة : الملائكة والإنس والجن والشياطين. والاختلاف بين الجن والشياطين قيل بالذاتيات كما بين الإنسان والفرس ، وقيل بالعوارض ، فالجن خيارهم والشياطين أشرارهم. والمشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر ، لأنهم لو كانوا مجردين فلا استبعاد في كونهم متصرفين في باطن الإنسان وإن كانوا أجساما لطيفة ، فكذلك لا يبعد نفودهم في باطن الآدمي. كيف وقد ورد في القرآن : ( لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) [البقرة : 275] ،
ابن ماجه في كتاب الصيام باب 65. الدارمي في كتاب الرقاق باب 66. أحمد في مسنده (3 / 156 ، 285).
صفحہ 19