وسبب جميع هذه المصائب والنكبات هو وجود المراقبة على جرائد تركيا عموما وجرائد سوريا خصوصا؛ لأن الحكومة العثمانية اختارت وضع مراقبة صارمة على الجرائد فقيدت العقول، وأرادت من ذلك أن تقتل الأفهام كما تقتل الأجسام في هذه الأيام، مما سيرد تفصيله في هذا الكتاب؛ ليعلم القراء إلى أية حالة وصلت حرية الأقلام في بلاد الدولة العثمانية، ويقيسوا التأخر في هذا الباب على غيره من سائر أسباب التمدن والترقي.
وقد أجبت اليوم اقتراح عدد من الأدباء الذين سألوني وضع كتاب في أخبار المكتوبجي علما بأنني جهينة أخباره؛ لأنني احتملت مظالمه عدة سنوات، وعند جهينة الخير اليقين.
سليم سركيس
مصر القاهرة، في 25 أفريل سنة 1896
إهداء الكتاب
إلى جلالة السلطان عبد الحميد الأعظم
مولاي
يسوءني أنني من جملة رعاياك؛ لأنه يسوءني أن أكون عبدا، وأنت عودتنا أنك تعتبر الرعية في منزلة عبيد لك بدلا من أن تتبع الحقيقة، وهي أن تكون عبدا لنا، ولما كنت لا أستطيع التخلص من هذه التابعية، فعلى الأقل أحاول أن أعلن للناس أنني عبدك رغما عني، وهذا كل ما أستطيع أن أفعله الآن.
لكن كما أن الدول المتمدنة قد ألغت الاسترقاق والنخاسة وأعطت العبيد السود حريتهم، كذلك قدر الله العلي الحكيم أن أخرج من مملكتك وأن أقيم في حمى حكومة مصر العادلة، فمن هذا القطر الذي أصبح سعيدا من يوم تقلص ظل نفوذك عليه أعرض لمسامعك الشاهانية ما أشكوه أنا ويشكوه سائر رصفائي في تركيا من السياسة الخرقاء التي تبعتها جلالتك، وأصرح لك - غير خائف ولا وجل - بأنك في سياستك هذه تسوق بلادك ورعيتك إلى خراب عاجل وسقوط سريع.
إن ترقيك يا مولاي إلى عرش أجدادك قد أوجد عدة ضربات أصيبت بها الدولة العثمانية، ومن جملة تلك الضربات قتل العقول، الأمر الذي تفردت فيه عن سواك من السلاطين.
نامعلوم صفحہ