وعلى العلات أن حظه حطه، وأوفر من الحرمان قطه، وأعانه على ذلك الزمان المشوم، والدهر الجائر الغشوم، ومن العجيب أن داود باشا على فضله لم يعرف فضله، وأحله في غير محله وما أجله وذلك لأنه ما صانعه ولا دارًا، ولم يكن في دفتره لما كان دفتر دارًا، واتفق أن أمر له إذ ذاك ببرده، فأبى أن يقبل كرمه في المجلس ورده، فأضمر ذلك في نفسه حتى استوزر، فأظهر من سوء معاملته إياه ما أظهر، وكان يتتبع عثاره ويزيد بعثير الغارة عليه غباره، حتى أنه أمر بنفيه إلى الحدباء، فحدب عليه ورجا إثباته بعض أجلاء الزوراء، فأثبت ولكن في هم لا يحد، وبقي منكسر القلب إلى أن ضمه اللحد، وقد ضم في شهر ضم أباه، وكان تاريخ ذلك قولي) عنهما رضى الإله (ودرج على الأثر في الطاعون جميع أهله وبنيه وبقي بيته خاليًا ليس سوى الصدا والحزن فيه.
أتى على القوم أمر لا مرد له ... حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من علم ومن أدب ... كما حكي عن خيال الطيف وسنان
ولم يتخرج عليه إلا جمع هم أقل من أنصاف الزمان، بل المتخرج إذا تتبعت واحد أو اثنان، وذلك لقلة تحمل الطلبة كثرة دله، وعدم وقوفهم على وافر فضله ولا ينقص العالم قلة طلبته، كما لا ينقص النبي عدم أمته، وأنا ولله تعالى الحمد صبرت على مره، وصيرت شغلي السعي في صفاء سره، وتأدبت معه غاية الأدب، وانتهى أداء رسم خدمتي إياه إلى حد العجب، وإني لأرجو أن أنال ببركة ذلك مزيد الآلاء، فبركة بركة خدمة الشيخ بحر لا تنزحه الدلاء) وكان له شعر (تحكيه غمزات الجفون الوطف، وتماثله إشارات البنان الذي يكاد ينعقد من اللطف، ويضاهيه السحر إلا أنه خال عن تعقيد العاقد ويشبهه الدر، إلا أنه كله فرائد، فمن فرائده المنظومة، ونوافج مسكه المختومة التي تغار منها درر الأسلاك، وتغور لحسنها دراري الأفلاك، قوله غمره إحسان الله تعالى وفضله:
لئن لم تشاهدني أخافش أعين ... فلي من عيون الفضل شاهد رؤية
وإن أنكرتني الحاسدون تجاهلًا ... كفاني عرفاني بقدري وقيمتي
يمثلني بالمد عين مكابر ... وقد حكم الفضل اختلاف الحقيقة
فأيان شمس الاستواء من السهى ... وأين زلال من سراب بقيعة
وليس الذي في الناس كالحي ميته ... لفضل وأفضال كحي كميت
وقوله:
وبي أهيف حلو الدلال مهفهف ... مليح التثني ساحر اللحظ أغيد
حكى قده سمر القنا وجفونه ... حكي البيض والثغر الأقاح المنضد
ترقرق ماء الحضن في وجناته ... على أن فيه جمرة تتوقد
كتمت هواه عن سواه فليس لي ... به عاذل يرمي ولا لي مفند
وفي هذه الدنيا ملاح كثيرة ... وليس كمثل السيد المتسود
قد امتزجت روحي قديمًا بروحه ... وقام لنا في عالم الذر مشهد
له مقلة تعطي الصبابة حقها ... وأخرى حقوق الحسن ترعى فتجحد
ويعجبني منه إذا مر في ملا ... يصد كما صد الغزال ويحرد
وإن خلوة حانت أبان دلاله ... فنون ابتهاج هكذا الحب يحمد
أوحده في الحب فليشهد الورى ... بأني في دين الغرام موحد
أجدد فيه كل يوم صبابة ... بها يقتدي أني الإمام المجدد
وقوله:
ما غير ندب على الأيام ينتدب ... ولا سوى نجب تخدي لها النجب
وليس كل فتى يدعى لحادثة ... ولا بكل ملاذ تكشف الكرب
وليس يدفع من ضيم وينفع من ... مؤمل قط إلا السرج والقتب
لا أكذبنك ما صبح كغاشية ... ولا بمغن غناء الأثمد الترب
هذا الزمان لحاه الله همته ... أن لا يرى عنده حاج ولا أرب
وفي ضمير الليالي أن تكلفني ... خلق الذي أنا وهو الرأس والذنب
لا أسعد الله جدي إن أكن رجلًا ... يشين عرض علاه الجاه والنسب
وزند فضلي يومًا أن قدحت به ... زند اللئام فلا جافتني النوب
لا أرتقي الرتبة القعسا وسلمها ... نقصي ولو خدمتني السبعة الشهب
أأبتغي عز نفسي في مذلتها ... وأيمن الله هذا المطمع العجب
وأدعي المجد والعليا وتملكي ... كف الأماني لعمري هكذا الكذب
على حرثي وبذلي في مواسمه ... وما على إذا لم تسعد السحب
1 / 5