فما قلت ما قلت إلا لإفادة حقيقة الحال ولإخبار الأخيار بأن طعم الدهر الحلو قد استحال فيسأل الواقف ربه سبحانه من فضله أن يوسد الأمر إلى أهله ويصون بلطفه تعالى هذا الدين من أن يقضي عليه إفتاء الجاهلين) وقد استعظم (ذلك المفتي بين علماء في المجلس قعود أمر السؤال الشهير بين الأسود والأحمر في قوله تعالى) غرابيب سود (فقلت يكفي في جوانه ما يعرفه الحاضر والبادي وقد ذكر في قاموسه مولانا) مجد الدين الاسترابادي (قال وأسود غربيب حالك وأما غرابيب سود فالسود بدل لأن توكيد الألوان لا يتقدم فجعلت إبهامه تناجي ناجده فانبهم على أمره فلم أدر أفهم أم أنه لم يفهم فسكت حيث شككت وكنت ناويًا أن أسلك غير ذلك المسلك فما سلكت) وفي روح المعاني (ظاهر كلام الزمخشري أن غرابيب هنا توكيد لمحذوف والأصل سود غرابيب أي شديدة السواد. وتعقب بأنه لا يصح إلا على مذهب من يجوز حذف المؤكد ومن النحاة من منع ذلك وهو اختيار ابن مالك لأن التأكيد يقتضي الاعتناء والتقوية وقصد التطويل والحذف يقتضي خلافه. ورده الصفار كما في شرح التسهيل لأن المحذوف لدليل كالمذكور فلا ينافي تأكيده. وفي بعض شروح المفصل أنه صفة لذلك المحذوف أقيم مقامه بعد حذفه وقوله تعالى سود بدل منه أو عطف بنيان له وهو مفسر للمحذوف ونظير ذلك قول النابغة:
والمؤمن العائدات الطير يمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند
وفيه التفسير بعد الإبهام ومزيد الاعتناء بوصف السواد حيث دل عليه من طريق الإضمار والإظهار. ويجوز أن يكون العطف على جدد على معنى ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ومنها غرابيب متحدة اللون كما يؤذن به المقابلة وإخراج التركيب على الأسلوب الذي سمعته وكأنه لما اعتنى بأمر السواد بإفادة أنه في غاية الشدة لم يذكر بعده الاختلاف بالشدة والضعف. وقال القرآن الكلام على التقديم والتأخير أي سود غرابيب. وقيل ليس هناك مؤكد ولا موصوف محذوف وإنما غرابيب معطوفة على) جدد أو على بيض من أول الأمر وسود بدل منه. قال في البحر وهذا حسن ويحسنه كون غربيب لم يلزم فيه أن يستعمل تأكيدًا ومنه ما جاء في الحديث أن الله تعالى يبغض الشيخ الغريب وهو الذي يخضب بالسواد. وفسره ابن الأثير بالذي لا يشيب أي لسفاهته أو لعدم اهتمامه بأمر آخرته وحكى ما في البحر بصيغة قيل وقول الشاعر:
العين طامحة واليد شامخة ... والرجل لايحة والوجه غربيب
انتهى. ويرد على ما يقل عن الفراء ما يرد فتأمل) وأعجبني (فتى ذو فطنة وقادة يدعى) حسن أفندي قاضي زاده (ولقد رأيته أحد الأفاضل الأكياس الذين لهم من نقود الأدب دون الذهب أكياس قد حل من رتب المعارف المحل الأسمى ودل عرفانه على أن الاسم عين المسمى. وهو من سادة لا شك في صحة نسبهم وقادة لا شبهة لأحد في سمو رتبتهم بهم يفخر الفخر وبنورهم يكتحل طرف الفجر قد عرجوا إلى سماء مجد انحط عنها زحل وتبوءوا مقاعد صدق ما نال من تبوأها لا والذي ﷿.
بيض بها ليل يستسقي الغمام بهم ... في المحل إن ضل يوماها طل الديم
يفوح عرف المعاني إن ذكرتهم ... ويعبق الأفق مسكًا من حديث فم
ودأب هذا الفتى من بينهم التأليف والتدريس والاستغناء بحمياهما عن حميا منادمة الجليس ولا يزال يمد إلى اكتساب الفضل ذراعًا ويطول كل يوم على من يروم مطاولته باعًا ويلوح لي من أسارير جبين فضله أنه سيكون رأس قومه وأهله وأنه ستنتهي إليه رياسة العلماء ويتقوم به أود الطلبة في الموصل الحدباء:
إن الهلال إذا رأيت نموه ... أيقنت أن سيصير بدرًا كاملا
1 / 30