ولعلي أترجم الكل في كتاب، يكون إن شاء الله تعالى ثانيًا لنزهة الباب) ولما (بلغت من العمر نحو إحدى وعشرين، جمع لشهود إجازتي علماء بلدتي شيخي علاء الدين، فكان يوم الجمع يومًا مشهودًا مشهورًا أفاض على العدو شرورًا، وأغاض من الحاسد سرورًا، وكان ذلك في المدرسة الخاتونية، قريبًا من الحضرة القادرية، ونصبت يومئذ مدرسًا في مدرسة الباجة جي الحاج نعمان، وهو جوار بيته قصر التماثيل متصلة بجدار البستان، في المحلة المشهورة اليوم بسبع بكار، وكانت من قبل مشهورة بمحلة نهر المعلى في الأقطار، وعندما نصبت تأججت نيران قلوب الأعداء فلم يطفها إلا خروجي فخرجت من هاتيك الأرجاء، ثم عمر الحاج أمين شقيق النعمان في محلة رأس القرية مدرسة وجامعًا مقدسًا، فنصبت هنالك على رغم الحاسدين خطيبًا وواعظًا ومدرسًا، فصدعت بالخدمات الثلاث في ذلك المحل الأرفع، وصدحت على أفنانها بمرأى من العدو الشاني ومسمع، إلا أني عددت الخطابة نقمة، حيث أني أجهل خطباء العراق بأصول النغمة، والناس اليوم لا يسمعون خطيبًا، ما لم يكن عندليبًا، ولا يدخلون مسجدًا، ما لم يكن خطيبه معبدًا، ومعظم أهل العراق يكرهون الخطبا، إذا لم يغنوهم بنحو الحسيني والصبا، ويحسبون الإخلال بالألحان لحنًا، وترك الأوزان العجمية في الدين وهنًا، وكذا ثقل علي أن أعظ، لعلمي بأني غير متعظ.
وإني لأستحيي من الله كلما ... راوني خطيبًا واعظًا فوق منبر
ولست بريًا بينهم فأفيدهم ... إلا إنما تشفي المواعظ من بري
وكان يغص الجامع بالسامعين، وتشرق الجيوب والأكمام بدموع الباكين وربما أبقى في تفسير الآية الواحدة شهرًا، وأنا كل يوم أتلو عليهم والحمد لله تعالى من أسرارها ذكرًا، وشرعت في الوعظ وأنا ابن عشر سنين ووعظت في كثير من مساجد المسلمين، وأقرأت شابًا وكهلًا. وأنا ابن ثلاثة عشر حولًا، وتعلمت ضم الحرف إلى الحرف، وعمري نحو أصابع الكف، كل ذلك من فضل الله تعالى عليّ، ثم بركة دعاء والدي، حتى إذا جاء الطاعون، وسارت بعلماء الكرخ وسادته الظعون.
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد
وتوفي إذ ذاك والأمر لله سبحانه والدي، ومن هو الله تعالى مساعدي، وفي تناول ما يصلح حالي زندي ومساعدي، سيدي وسندي) السيد عبد الله أفندي (تغمده الله برحمته، وأسكنه غرف كرامته في أعالي جنته، وكان عليه الرحمة ترشح بالصلاح جلدته، وتشرح الصدور رؤيته، ما رأته عيون الأسحار إلا قائمًا، وما أبصرته مواسم الأبرار إلا صائمًا، وما ابتسم ثغر فجر تحت أذيال دجاه، إلا وجده يبكي خشية بين يد مولاه جل علاه، وقد درس نحو أربعين سنة في الحضرة الأعظمية وكان يذهب إليها ماشيًا إعظامًا لما ضمته من عظام محيي السنة الأحمدية وكان مع ذلك يدرس في مدرسة الموليخانه، التي جعلها داود باشا خانًا وسوقًا وبنى فيها لقهوة البن حانه، ونقل التدريس إلى بعض منها يسمى اليوم بالآصفية، ونصب فيها مدرسين للعلوم النقلية والعقلية، ودرس نحو أربع سنين في مدرسة الشهيد علي باشا التي أعدت لرئيس المدرسين، وهو عليه الرحمة ثالث مدرس درس بها، وكنت في أيامه محافظ كتبها، ووعظ وخل الشباب غير مماذق، في جامع محمد الفضل بن إسماعيل بن جعفر الصادق وكانت الطلبة تتبرك بالقراءة عليه، وتعد من أسباب الفتوح عليها تقبيل يديه وقد حج قبل أن يتزوج ثلاث مرات، وذهب إلى مصر لزيارة شقيقه السيد حسن فوجده يوم دخل قد مات) وينتهي نسبه الذكي الزكي إلى الريحانتين (فمن جهة أمه إلى الحسن ومن جهة أبيه إلى الحسين، ويحلق نسب أمه إلى ذلك بجناح الباز الأشهب، ومن نصب له وكر العناية الأزلية في حظائر الغيب الأغيب، قدس سره، وغمرنا بره، والأمر مفصل في حديقة الورود، فقد زهت فيها نظمًا ونثرًا أسماء الآباء والجدود، وكذا في شجرة الأنوار، ونوار الأزهار، التي ألفناها في إسلامبول، وجمعنا فيها ما شاء الله تعالى من ذرية الزهراء البتول، ولعمري أنه نسب يصلح أن يجعل تميمة فطيم، ويتخذ لبركة من حوى رقيمة سليم.
نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نورًا ومن فاق الصباح عمودًا
فهو عليه الرحمة محبوك الطرفين، قد طابق شرفه في نفسه شرف الجدين فلا بدع أن نال بيد مجده الثريا، أو تفيء في الشرف مكانًا عليا.
1 / 10