وتزوج على عادة الهنود وهو في الثالثة عشرة، وكانت زوجته أصغر منه سنا. ثم عزم على السفر إلى إنجلترا لدراسة الحقوق فوجد من أهله مقاومة كبيرة، لأنهم خشوا عليه تلك الغوايات التي يقع فيها الشاب الأجنبي في وسط متمدن مثل لندن. ولكنه تغلب على معارضتهم وسافر بعد أن شرطت عليه أمه ألا يعرف اللحم أو النبيذ أو المرأة.
ولقي مشقة كبيرة في لندن في اختيار طعامه، لأن الناس كلهم تقريبا يأكلون اللحم. ولذلك فإنه كثيرا ما كان يجوع. ولكنه عرف بعد مدة غير قصيرة مطعما نباتيا فلزمه طول إقامته في لندن. ونال شهادة المحاماة سنة 1891 وعاد إلى الهند. وشرع يمارس المحاماة، ولكنه وجد في نفسه عجزا كبيرا عن القيام بهذه الحرفة، فقد كان إذا وقف أمام القاضي جمد فلا يستطيع النطق، وعندما تحقق له عجزه بعد تكرار المحاولات أراد أن يترك المحاماة ويشتغل بالتعليم، فعرض نفسه على مدرسة إنجليزية لكي يعلم فيها بمرتب خمسة جنيهات في الشهر فرفضته.
وعاد إلى المحاماة، ولكنه قنع بكتابة العرائض والمذكرات، فلم يربح كثيرا من هذا العمل. وكان له أخ يشتغل بالمحاماة في مدينة «راجكوت» فرحل إليه واستطاع بما لأخيه من جاه ومكانة أن يربح عشرين جنيها في الشهر بكتابة المذكرات والعرائض.
وحدث سنة 1893 أن طلبه بعض التجار الهنود في إفريقية الجنوبية لكي يدافع عنهم في قضية، فسافر وأدى مهمته كأحسن ما يمكنه. وهنا ذهبت عنه عقدة لسانه فلم يعد يشعر بذلك الجمود الذي كان يتملكه ويعقد لسانه كلما وقف أمام قاض. ثم خطر له أن يقيم في إفريقية الجنوبية ويشتغل بالمحاماة، وذلك لأنه تشجع بما لقيه من نجاح، وأخذ في المحاماة في المحاكم الإنجليزية يدافع عن حقوق التجار الهنود، وكان يربح في العام مبلغا يتراوح بين 5000 و6000 جنيه.
ولكن أرباحه هذه لم تزغ بصره عن مصالح الهنود أو مصالح الإنسانية، فقد عاش في إفريقية الجنوبية عشرين سنة رأس فيها وحدة من وحدات جمعية الصليب الأحمر لمعالجة الجرحى في حرب البوير والإنجليز، وأنشأ مستشفى، وأنشأ عصبة لنقل الجرحى. وقد حبس عدة مرات لدفاعه عن الهنود الذين كان البيض من الإنجليز والبوير ينزلون بهم ألوانا من الهوان. وكثيرا ما كان يضرب ويبصق في وجهه لدفاعه عن الهنود، بل كاد أوباش الإنجليز والبوير أن يقتلوه لو لم تخلصه من أيديهم سيدة إنجليزية في سنة 1908. وعقد غاندي اتفاقا مع الجنرال «سمطس» بشأن العمال الهنود، ولكن بعض هؤلاء العمال اعتقدوا أن هذا الاتفاق لا يرضيهم فتآمروا عليه وضربوه ضربا مبرحا كاد يموت منه .
حدث له كل ذلك وهو ثابت على مبدئه الذي تعلمه من تولستوي، وهو ألا يقاوم الشر بالشر، فلم يرافع أحدا من الذين آذوه أو أهانوه إلى القضاء. وعاد إلى الهند سنة 1913 فاستقبله الهنود كأنه أحد أبطالهم، وذلك لما سمعوا من بلائه في الدفاع عن المهاجرين الهنود في إفريقية الجنوبية.
وكان غاندي شغوفا بتعاليم تولستوي، حتى إنه أنشأ في أفريقية الجنوبية ضيعة أطلق عليها اسم «عزبة تولستوي» يتعاون فيها العمال على العمل والخدمة الحقة دون النظر للتمايز في الامتلاك والريع. وقد أفلح في إدارة هذه العزبة على مبادئ تولستوي. وأدى به شغفه بتولستوي إلى درس المسيحية، فأحبها، وهو يتلو الآن آيات الإنجيل كأنه أحد المسيحيين، بل هو يجعل من حياة المسيح ومبادئه حجة دامغة لإدارة الإنجليز في الهند. وأخذ منذ رجوعه إلى الهند يدافع عن حقوق العمال وخصوصا الفلاحين المساكين الذين يستغلهم المالكون والتجار استغلالا قاتلا. وكذلك أخذ على نفسه الدفاع عن عمال المصانع. وقد وضع هذه القواعد لكي يراعيها العمال في إضرابهم: (1)
ألا يلتجئ العمال إلى العنف والبطش بأية حال. (2)
ألا يأذوا العمال الأغراب الذين يأتي بهم أصحاب المصانع. (3)
ألا يعتمدوا على الصدقة وقت إضرابهم. (4)
نامعلوم صفحہ