غاندي السيرة الذاتية
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
اصناف
كان يمكن أن يزدهر عملي لو ركنت إلى كتابة المذكرات دون تلقي أية أتعاب، لكن هذا لن يدر علي أي أرباح، لذلك فكرت في أن أشتغل بالتدريس. كانت معرفتي باللغة الإنجليزية جيدة إلى حد بعيد، وكنت أفضل أن أدرسها لطلبة المدارس الذين يرغبون في الالتحاق بالجامعة، وبذلك استطعت أن أغطي جزءا من نفقاتي. وقعت عيني على إعلان في الصحيفة، ورد فيه: «مطلوب مدرس لغة إنجليزية للعمل لمدة ساعة يوميا، براتب 75 روبية.» وكان صاحب الإعلان مدرسة ثانوية مشهورة، فتقدمت إلى الوظيفة وطلب مني إجراء مقابلة شخصية، فذهبت بمعنويات مرتفعة، لكن مدير المدرسة لم يقبلني في الوظيفة آسفا عندما علم أنني لم أتخرج بعد.
فقلت له: «لكنني اجتزت امتحان القبول بجامعة لندن، وكانت اللاتينية لغتي الثانية.»
فأجابني: «هذا صحيح، لكننا في حاجة إلى شخص يحمل شهادة جامعية.»
لم أجد أي حلول أخرى، فشعرت باليأس، وشعر أخي بالقلق، ثم توصلت أنا وأخي في النهاية إلى أنه لا طائل في بقائنا في بومباي مدة أطول. فينبغي أن أستقر في راجكوت، حيث يعمل أخي محاميا صغيرا، فقد يستطيع أن يكلفني ببعض المهام المتمثلة في تحرير العرائض والمذكرات. ونظرا لوجود منزل قائم بالفعل في راجكوت، فذلك سيساعد على توفير الكثير من المال عند ترك منزل بومباي. وهكذا قبلت بالاقتراح وأغلقت مكتبي الصغير بعد قضاء ستة أشهر في بومباي.
كنت قد اعتدت الذهاب للمحكمة العليا يوميا طوال مدة إقامتي في بومباي، ولكنني لم أتعلم شيئا. فلم أكن أمتلك المعرفة الكافية كي أستزيد من العلم. وكنت كثيرا ما أعجز عن متابعة القضايا وأغفو. وكان آخرون يعانون ما أعانيه، الأمر الذي خفف عني وطأة الخجل. وبمرور الوقت، فقدت الإحساس بالخزي تماما وتعلمت أن أنظر إلى الغفوة في المحكمة العليا على أنها أمر عادي.
إذا كان الجيل الحالي يعاني وجود محامين بلا موكلين كما كنت في بومباي، فأنا أقدم إليهم نصيحة عملية صغيرة عن الحياة. ومع أنني كنت أعيش في مدينة جيرجاوم، كنت نادرا ما أستقل القطار أو الترام، فقد جعلت من عادتي السير إلى المحكمة العليا، وكانت المسافة تستغرق قرابة خمس وأربعين دقيقة، وبالطبع كنت أعود إلى المنزل سيرا على الأقدام، فجعلت نفسي تعتاد حرارة الشمس، واستطعت أن أوفر مبلغا كبيرا من المال بالسير إلى المحكمة ذهابا وإيابا. وذلك بالإضافة إلى حمايتي من الأمراض في حين كان الكثير من أصدقائي يصابون بها. لم أتوقف عن عادة السير هذه حتى بعد أن توافر لدي المال الوفير، فقد استمررت في السير من وإلى المكتب، وحتى الآن لا أزال أحصد ثمار تلك العادة المثمرة.
الفصل الرابع
الصدمة الأولى
تركت بومباي يائسا، واتجهت إلى راجكوت لتأسيس مكتبي الخاص، وهناك أخذت أتقدم على نحو معتدل، لقد عادت علي كتابة العرائض والمذكرات بمتوسط ربح يصل إلى 300 روبية شهريا. ويرجع الفضل في حصولي على ذلك العمل إلى نفوذ شريك أخي أكثر منه إلى كفاءتي، فقد كان لدى شريك أخي عمل مستقر، لكنه كان يرسل جميع العرائض والمذكرات وغيرها الخاصة بشخصيات ذات شأن أو التي يراها ذات أهمية إلى كبار المحامين، أما أنا فقد كنت أكتب العرائض الخاصة بموكليه من الفقراء.
يجب أن أعترف بأنني كنت مضطرا للتنازل بعض الشيء فيما يتعلق بأمر العمولة التي رفضت أن أدفعها في بومباي، أخبرني البعض أن الأمر يختلف في الحالتين، ففي حين كانت العمولة تدفع إلى سماسرة القضايا في بومباي، فهي تدفع هنا إلى المحامين الذين يسندون إليك القضايا. وقيل لي إن جميع المحامين هنا، دون استثناء، يدفعون نسبة من أتعابهم كعمولة. كانت مناقشة أخي لي في هذا الأمر مفحمة، فقال لي: «ألا ترى أن لدي شريكا آخر، وسوف أميل دائما إلى أن أعهد إليك بجميع القضايا التي يمكنك التعامل معها، وسيضعني امتناعك عن دفع العمولة في موقف حرج أمام شريكي، ولأننا نشترك معا في معيشة واحدة، فإن أتعابك تعد دخلا مشتركا لكلينا، وأنا أحصل تلقائيا على نصيب منها، لكن أين نسبة شريكي؟ ألن يحصل على عمولته إذا ما أسند القضية إلى محام آخر؟» اقتنعت برأي أخي، وشعرت بأنه إذا كنت سأمارس المحاماة فلا يمكن أن أفرض مبادئي التي تتعلق بالعمولات في هذه القضايا. هكذا أقنعت نفسي، أو دعني أقول خدعت نفسي. ويجب أن أشير هنا إلى أنني لا أذكر دفع أي عمولة في أي قضية أخرى.
نامعلوم صفحہ