وراح الرئيس يستفهم عن فلسطين، وكنت متسلحا بالمعلومات التي تلقيتها من عمر.
وفي حضورنا أرسل تلغرافا إلى الجنرال رومولو - أصبح فيما بعد رئيسا لمنظمة الأمم - يطلب منه استعراضا للموقف، ولكن كلمات التلغراف صيغت بشكل يستنفر الموالاة لقضيتنا، وأذكر أن عبارة «ثلاثمائة ألف كاثوليكي في فلسطين» كانت من صوغي.
ولما خرجنا لحق بنا وزير الخارجية «البيديو كيرينو» الذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية الفلبينية. وكيرينو هذا كان لي صديقا؛ إذ كنا نجتمع أيام الحرب على طاولة بوكر في بيت الصديق فيليب شاوي، وهو أخو مدام رجا كساب صاحب المحل على باب إدريس.
أذكر صحن بوكر عظيم في «المكشوفة» أمامي أصان، وعشرتان ظاهرتان، وأمامه خمستان مكشوفتان، وقد نظفني حين ظهرت الخمسة الثالثة المستورة.
قال وزير الخارجية مداعبا: «الموقف في صالحكم، ولكن اذكر أن في الحياة دائما ورقة مستورة، حذار الخمسة الثالثة.»
وفي بعد ظهر ذلك اليوم، واتقاء للورقة المستورة، اتخذت احتياطات من شأنها أن تطلعني على نسخة كل برقية صادرة عن مانيلا أو واردة إليها في شأن التصويت على قضية فلسطين، ولم تكن هذه التلغرافات بالشيفرة. وإني أسجل أن الرئيس روهس كان صادقا في كل ما حدثنا به كما أثبتت نسخ التلغرافات التي كانت في يدي أحيانا قبل أن تكون في يد روهس. وجاء تلغراف رومولو يقول أن ليس بينه وبين اليهود أو ممثلي الدول العربية أي ارتباط، وأن الأميركان لم يباحثوه في الموضوع بشكل حاسم، وأن الفلبين تقدر أن تصوت مع اليهود أو ضدهم، وأنه يرى أن التصويت لصالح اليهود أوفق مجاراة للرأي العام العالمي، وأنه على كل حال ينتظر تعليمات حكومته لاتخاذ الموقف الحاسم.
ورد روهس بواسطة كيرينو على رومولو ببرقية جاء فيها أن الفلبين، وهي دولة شعبها كاثوليكي، وهي أمة جاهدت من أجل استقلالها، وسبق لها أن قاومت في الماضي مشروع تقسيم اقترحه أحد النواب الأميركيين لشطر إحدى جزرها حيث - الأكثرية محمدية - لا يسعها أمام الله والتاريخ إلا أن تعارض بتمزيق بلاد ثانية.
وفي تلك الليلة بطشنا بصينية كبة في دار كامل حمادة.
وكنت في كل يوم أبعث بتلغرافين على الأقل بالحروف الإفرنجية واللغة العربية؛ لأنه لم نتفق على شيفرة بسبب مفاجأتنا بخبر التقسيم. وكنت أنهي البرقيات ب «قلوبنا تواكبكم». كانت نسخة ترسل إلى الأستاذ شمعون، وثانية للأمير عادل، وكنت أبتهج أن شركة التلغراف تحسب اللغة العربية شيفرة فتتقاضى أربعة أضعاف عن اللغة العادية.
أذكر أن أطول تلغراف عدد كلماته 784؛ ففي كل يوم كنت أوافي نيويورك بالأخبار والتطورات، وفي الليل - بسبب فرق الوقت - أتلفن إلى القنصلية اللبنانية أو السورية، فأتكلم مع شمعون أو أرسلان مستطمنا، وفي بعض الأحيان لا أجدهما.
نامعلوم صفحہ