ومنذ أيام جاءت التلغرافات العالمية تنبئ بزلزال في جزيرة «مندناو» قتلاه مئتان ... ومصائب الزلزال تبدأ صغيرة ثم تكبر؛ ففي يوم الكارثة لا يستطيعون أن يعدوا إلا بعض الضحايا، أقلب الجريدة من جديد؛ خالد العظم يسافر إلى مصر، حنا الكسواني يفوز بانتخابات الغوطة، جبران حايك يرد على شارل مالك، مئتا قتيل زادوا في اليوم الثالث إلى 350، دمار لا يقدر الآن. سامي بك يمدح الأتراك ، مدينة أوسامس أكثر الأمكنة إصابة، المدن الواقعة على البحيرة، تقديراتنا في سباق الخيل.
هل هي مدينة أوسامس أم ميسامس؟ الأرض انشقت في أماكن كثيرة.
في «ميسامس» صديق لي حميم، هو نصري جريديني، رجع منذ سنتين إلى لبنان، وحضرنا معا حفلة راقصة. آخر رسالة لأهله يهدي بها إلي سلامه، ويسأل هل تغير قانون الجمارك؟ هل يسمحون بأن يأتي بأكثر من ثلاث صناديق سيكار هدية؟ هل الكارثة في ميسامس أم أوسامس؟
أوسامس اسم لفتى فلبيني له أخوات ست، كان هو وكانت أخواته الست في صداقة حميمة مع نصري جريديني، وكنا نحسب أن نصري سيتزوج إحداهن أو كلهن، وانتخب أوسامس عضوا في مجلس الشيوخ، وفي زمن الحرب ناهض المستعمرين اليابانيين فقتلوه. وعند انتهاء الحرب أعلنته حكومة الفلبين شهيدا قوميا، وأطلقوا اسمه أوسامس على بلدة قرب مدينة ميسامس حيث يقطن صديقه نصري جريديني.
انشقت الأرض في أماكن كثيرة، وانشقت القشرة عن ذكرياتي في أماكن كثيرة بعد أن جاءت التلغرافات العالمية تذكر اسم ميسامس، ولم تعد الهزة في نفسي رعشة، بل صارت زلزالا.
إني أعرف بالضبط المقاطعة حيث نزل الدمار. لقد جلت مزارعها وقراها، وتفيأت أشجارها، واتجرت في حوانيتها، ولا شك أني بت في إحدى البيوت التي ضربها الزلزال.
أطللت عليها في أوائل سنة 1927، وكنت «دوارا» أصحب ثماني شنتات هائلة كلها مساطر بضائع، وتنكة مستديرة كبرى فيها مساطر البرانيط، وكان - حتى يتم زي «الدوار» - على وسطي مسدس كولت 38 (نمرو سبعة في لغة بيروت).
شككته في زناري الجلدي بحيث يراه الناس؛ لأن القانون يحرم نقل السلاح المخفي.
جئت إلى جزيرة «مندناو» في باخرة قبطانها إسباني، وقد أخذت السفرة يومين وثلاثة ليال، وكان على الباخرة تاجر صيني، يتجر في كل ثغر ترمي الباخرة فيها مرساتها. وكان هذا الصيني طوال السفرة مرتميا على سريره يهز ساقه، وعيناه عالقتان بلا شيء بعيد، لا يأكل ولا ينام ولا يتكلم، حتى إذا وصلنا إلى مرفأ كان الصيني أول من ركب الزورق إلى اليابسة، وحين يرجع أراه محمر الوجه براق العينين ثرثارا يضحك ويداعب . وقد صادقته وفهمت منه أنه ينشق الكوكايين حين ينزل من الباخرة، وكاد يقنعني بتجربة.
وحين نزلت في أول بلدة شمالي جزيرة «المندناو»، واسمها إيليغين، عرفني أحدهم على «التركو» هناك، فإذا هو «ميجال»، أو نخلة شاكر من دير القمر، وكان نخلة هرما أخبرني حالا أنه مدين، وأنه فقير، وأنه يملك خمسة آلاف شجرة جوز هند لن تثمر إلا بعد ثلاث سنوات، وحينئذ تصبح غلتها ثروة، قلت: «وهل ترجع إلى «البلاد» حين تبدأ بقطاف الشجر؟»
نامعلوم صفحہ