Lesmozarabes
أو المسيحيون الذين يتكلمون بالعربية في الأندلس بالقادمين عليها، فلقي المعاهدون منهم رعاية من الفاتحين اللهم إلا في الأدوار التي كانوا يكيدون فيها للمسلمين ويخرجون عن الذمة، فإن الفقهاء كانوا يفتون بتغريبهم وإجلائهم عن أوطانهم، وقد أجاز منهم يوسف بن تاشفين إلى بر العدة «عددا جما أنكرتهم الأهوار، وأكلتهم الطرق، وتفرقوا شذر مذر، على أنه لم يقع شيء من هذا القبيل إلا في النادر؛ لأن العرب كانوا يحرصون على بقاء أهل البلاد فيها ليعمل التطور عمله، فيسلم من يسلم مع الزمن منهم، أو يعطي الجزية ويتعلم العربية فتخف الفوارق بينه وبين عصبية الفاتح.»
فمن ثم ساغ لنا أن نقول: إن أهل الأندلس لم يكونوا كلهم من نسل العرب؛ بل كان منهم العرب، قال صاحب فرحة الأنفس: أهل الأندلس عرب: في الأنساب والعزة والأنفة وعلو الهمم وفصاحة الألسن وطيب النفوس وإباء الضيم وقلة احتمال الذل والسماحة بما في أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية ... هنديون: في إفراط عنايتهم بالعلوم وحبهم فيها وضبطهم لها وروايتهم. بغداديون: في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم ونباهتهم وذكائهم وحسن نظرهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم ونفوذ خواطرهم. يونانيون: في استنباطهم للمياه ومعاناتهم لضروب الغراسات واختيارهم لأجناس الفواكه وتدبيرهم لتركيب الشجر وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف الزهر؛ فهم أحكم الناس لأسباب الفلاحة، وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال ومقاساة النصب في تحسين الصنائع، وأحذق الناس بالفروسية، وأبصرهم بالطعن والضرب، وقال ابن حزم: إن أهل الأندلس صينيون في إتقان الصنائع العملية وإحكام المهن الصورية. تركيون: في معاناة الحروب ومعالجة آلاتها والنظر في مهماتها، وقال ابن بسام: في جزيرة الأندلس أشراف عرب المشرق افتتحوها، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوا، فبقي النسل فيها بكل إقليم على عرق كريم.
الفصل السابع
تسامح العرب
العرب من أكثر الأمم تسامحا مع المخالفين لهم في المعتقد والجنس واللسان، ولولا تسامحهم أيام عزهم بالإسلام، لم يبق بقية من الأمم المغلوبة في بلادها محتفظة بدينها ولسانها ومقدساتها، وذلك لأن الشريعة السمحاء تقضي بالرفق والرحمة، وعدم التعرض لدين المخالفين وأموالهم خصوصا إذا كانوا أصحاب دين سماوي، ولذلك اكتفوا من أهل الأندلس بجزية
1
وتركوا لهم حريتهم، فأعجب بهم مخالفوهم؛ لأنهم حملوا إليهم سلاما، وكفوهم مئونة فتن كانت عليهم غراما، تأتي على الأنفس والنفائس، وتدك معالم الأمن والأمان.
كره العرب التعصب، ولا سيما في الأندلس، وعمدوا إلى كل تسامح معقول، فاستمالوا بسيرتهم من نزلوا من الإسبانيين والبرتغاليين حتى إنهم كانوا (سيديليو) إذا شجر خلاف بين مسلم ومسيحي من الجند يعطى الحق غالبا للمسيحي، وجعلوا أيام الآحاد أيام عطلة بدل الجمع، ورخصوا أن يتعبد كل إنسان على الصورة التي يراها، فنشأت وحدة وطنية بين الغالب والمغلوب حتى لم يكد يشعر هذا إلا في النادر وبإغراء رجال الدين أنه مغلوب على أمره فاقد لاستقلاله، واعتمد الأمويون في أكثر أيامهم على جيش من الصقالبة يشترونهم أو يأخذونهم أسرى كما كان يفعل العثمانيون بجيش الإنكشارية، وصارت لأفراد من الصقالبة حظوة عند الملوك والأمة حتى إن حبيبا الصقلبي من فتيان الأموية بقرطبة ألف كتابا تعصب فيه لقومه سماه ب «الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة»، وربما كانت منزلة الصقالبة بقرطبة منزلة الشعوبية أعداء العرب في بغداد ولا من ينكر عليهم، ومن أثر التسامح شاعت اللغة العربية في كل أرض نزلها العرب، بل لم يمض أكثر من نصف قرن حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها المسيحيون؛ لأن هؤلاء زهدوا في اللغة اللاتينية، ونشأ لهم غرام بالعربية، فأخذوا يتقنون آدابها، ويتغنون بأشعارها، ويكتبون فيها كأبنائها، ويعجبون ببلاغتها إعجاب أهلها بها.
وكان كثير من أذكياء الجلالقة والقشتاليين والليونيين والنافاريين - دع من كانوا في البلاد التي فتحتها العرب من المسيحيين - يتعلمون العربية، ويقصدون الخليفة الأندلسي أو أحد رجاله يستخدمون في الإدارات، وتجري على سادات الإسبان أحكام الإسلام، فيختلطون بأشراف العرب ، ومن ظل محتفظا منهم بدينه نسي مبادئه، فصار يحجب نساءه كالمسلمين ويقتدي بأزيائهم وألبستهم وعاداتهم في مآدبهم ورفاهيتهم وأنسهم، ومن المسيحيين والإسرائيليين من وزروا الأندلس لملوك المسلمين وهم مقيمون على دينهم، ومنهم من كان أبوه أو جده إسبانيا فأسلم،
نامعلوم صفحہ