كان بناء الأندلسيين بالآجر والحجر، وكان الحجر عندهم أنواعا منه الحموي والأحمر والأبيض والمجزع ، وكانوا ينحتون السواري والعمد من مقالعهم على الأغلب، وقيل: إن سواري جامع قرطبة جلبت من البيع القديمة من جنوبي فرنسا وإيطاليا ومن إفريقية والآستانة، وسواء قطعت من مقالع الأندلس أو جلبت من القاصية فإن في ذلك فضلا كبيرا للعرب يدل على معرفتهم الأشياء الحسنة، وقدرتهم على حمل هذه الأثقال في البر والبحر مع قلة الآلات الرافعة، وقصور علم الحيل عما هو عليه في عصرنا.
قال أحد الباحثين من الفرنجة: في إسبانيا ميدان لدرس الصناعة العربية المغربية منذ بدايتها، وكان التردد بادئ بدء باديا عليها إلى أن ظهرت في مظهرها هذا على غاية من الغرابة والظرف، وقال بعضهم: إن الهندسة العربية قد أفرغت جهدها في قصور الحمراء، وأتت ما وسعها الإجادة والظرف بأمثلة تأخذ بمجامع القلوب في العمران، ولو لم يكن جل الاعتماد على الخشب والجص في البناء وهما مما تقل متانته؛ لأتت منها آثار خالدة أكثر مما أتت، ولكن مجموعها مدهش غريب يمجد خيمة العرب الرحل في البادية، ومن أغرب ما اصطنعوه عمل المقرنص في القباب من عدة قباب صغرى متناسقة بدون أن ترى اللحمة بينها، والنقش فيها قليل إلا ما كان من جمل نقشت بالحروف الكوفية أو العربية المشتبكة الأندلسية.
قلنا: ومعظم الآثار التي بناها الإسبان بعد سقوط آخر دولة الأندلس كانت بأيدي صناع من العرب، أبقوا عليهم لقيام مصانعهم، وذلك لأن الإسبان كانوا متأخرين في الهندسة والصنائع النفيسة، وأهم ما يتنافس فيه الإسبان إلى اليوم القيشاني فإنك تراه في كل بيت وكنيسة وحائط ونزل ومدرسة ومتحف، وهو أنواع؛ منه ما يجعل على الأرض، ومنه ما يجعل على طول قامة الإنسان في الجدران المختلفة، وللآجر عندهم شأن عظيم في البناء، وقد يدوم قرونا كما شاهدنا ذلك في خرائب الفسطاط بمصر، وأكثره من بناء القرن الأول للهجرة.
يصعب تعداد المصانع التي شادها العرب في أوقات مختلفة في الأصقاع التي نزلوها، كما يصعب إعطاء حكم تام على معالمهم؛ لأن كثيرا من بنيان الأندلس عور بتداول الأيام، فصح في مدنها ودساكرها أحد الأندلسيين في بلنسية، وقد عاث العدو فيها:
عاثت بساحتك الظبا يا دار
ومحا محاسنك البلى والنار
فإذا تردد في جنابك ناظر
طال اعتبار فيك واستعبار
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها
وتمخضت بخرابها الأقدار
نامعلوم صفحہ