جورج بشنر: الأعمال المسرحية الكاملة
جورج بشنر: الأعمال المسرحية الكاملة
اصناف
3
وفويسك قد وجد حقيقة كما قدمنا، واختلف الأطباء الشرعيون في قواه العقلية. كان يقول في المحاكمة إنه سمع أصواتا تناديه: «اطعن! اطعن!» ليس هو الذي قتل إذن، بل قوة مجهولة طاغية يعجز عن إدراك كنهها. وتقول القضية التي تستند إليها المسرحية إن صانع القبعات يوهان كرستيان فويسك طعن أرملة الجراح فوست البالغ عمرها ستة وأربعين عاما بسكين حادة، وذلك في اليوم الثالث من شهر يونيو عام 1821م حوالي الساعة العاشرة مساء على عتبة مسكنها في مدينة «ليبزج». قتلها بدافع الغيرة؛ فقد كانت عشيقته، وكان يعلم أن لها علاقة برجال آخرين، وبالأخص بالضباط والجنود، وكانت قد وعدت أن تلقاه في المساء، ولكنها خرجت مع غيره؛ مما دفعه إلى الإقدام على جريمته. وأيا ما كانت تفاصيل القضية التي شغلت الرأي العام آنذاك فقد حكم على فويسك بالإعدام بالسيف، ونفذ فيه الحكم علنا في السابع والعشرين من شهر أغسطس عام 1824م في سوق ليبزج. ويحتمل أن تكون هذه القضية قد ظهرت في محيط عائلة بشنر، وربما تحدث في شأنها مع أبيه الذي كان هو نفسه طبيبا، وكان له رأيه في المناقشات الطبية الطويلة التي دارت حول فويسك ومدى قدرته العقلية. المهم أن بشنر قد تذكر هذه الحادثة التي ظلت كامنة في عقله الباطن أثناء دراسته في شتراسبورج، ووجد في شخصية فويسك تعبيرا عن اقتناعه بالقدرية التي تسير الإنسان وتلعب بمصيره وتسلبه إرادته.
وقد ظهرت المسرحيتان بعد موت بشنر المفاجئ بمرض التيفوس، ولم يكد يتم أربعة وعشرين عاما من عمره.
موت دانتون
تمهيد
بقلم عبد الغفار مكاوي
كتب جورج بشنر مسرحية «موت دانتون» في شتاء سنة 1835م، في أيام معدودة لم تتجاوز شهرا. كان يريد أن يمول بها هروبه عبر الحدود الفرنسية إلى مدينة شتراسبورج، التي عاش فيها ودرس الطب من سنة 1831م إلى 1833م؛ ليفلت من اضطهاد البوليس واستجواباته المستمرة؛ فقد ألف في مدينة جيسن قبل ذلك - كما قدمت - فرعا لجمعية سرية سماها «جمعية حقوق الإنسان»، كما وضع منشوره الثوري الخطير الذي فتح عيون الشرطة عليه، وحرمه الاستقرار في بلده.
تتألف «موت دانتون»، مثلها في ذلك مثل مسرحية «الجنود» للنس
1
من مشاهد صغيرة منفصلة تبلغ اثنين وثلاثين مشهدا، يساعد بعضها على دفع الحدث، ويخلق معظمها جو المسرحية العام الذي يشبه أن يكون قبرا مخيفا شاحب الضوء، تتردد فيه الأصداء وتتجاوب، وترقص الظلال والأطياف، ويحب الناس ويكرهون ويتعذبون ويخطبون ويقتلون ويجنون ويحاولون أن يعزوا أنفسهم عن قدر معتم محتوم يتربص بهم في كل لحظة. وإذا كان أحد معاصريه من رواد المسرح الواقعي الثائر، وهو جرابه
نامعلوم صفحہ